Hordhac Taariikhda Falsafada Islaamka
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
Noocyada
وهذه نظرية غير النظريتين الأوليين، تقرر أن الرأي وجد مع الكتاب والسنة في عهد النبي ، وأن العناصر التي كونت المذاهب المختلفة في التشريع الإسلامي عندما شرع في تدوين الفقه، وجدت في عهد النبي أيضا.
ومذهب ابن قيم الجوزية، وابن عبد البر من قبله، يوافق ما بيناه آنفا، من أن الرأي نشأ منذ عهد الإسلام الأول في ظل القرآن ورعايته، وهذا هو المذهب الذي نرضاه، وسيزيده ما نورده بعد بيانا وتوكيدا. (3) نظرة إجمالية
وجملة القول أن الرأي بمعناه العام نشأ في التشريع الإسلامي مع القرآن والسنة منذ عهد النبي على المذهب الذي نرجحه، أو هو نشأ بعد عهد النبي وظل الرأي أصلا من أصول التشريع يستعمل كثرة وقلة، وضيقا وسعة، على حسب الحاجة إليه بكثرة السنن المروية كما في الحجاز، وقلتها كما في العراق.
فلما انتهت الخلافة إلى العباسيين ونهضوا لإحكام الصلة بين دولتهم وبين الشرع، كما بينه جولدزيهر، ونشأت العلوم وأخذ في تدوينها، تكونت المذاهب الفقهية، ووضع علم أصول الفقه، وظهرت الخلافات بين المذاهب ظهورا واضحا في الفروع وفي الأصول، فكان أهل العراق أهل الرأي، يتوسعون في استعماله ما لا يتوسع غيرهم، وإمامهم الذي بقي مذهبه إلى اليوم هو أبو حنيفة المتوفى سنة 150ه/767م، وكان أهل الحجاز أهل الحديث لوفرة حظهم منه، وما ترتب على ذلك من قلة استعمالهم للرأي، مع اعترافهم بأنه أصل من أصول التشريع، وإمامهم الذي انتشر مذهبه واستقر هو مالك بن أنس المتوفى سنة 179ه/795م.
وتوسط بين أهل الحديث وأهل الرأي محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204ه/820م، وهو الذي وضع نظام الاستنباط الشرعي من أصول الفقه، وحدد مجال كل أصل من هذه الأصول في رسالته في أصول الفقه، ويعتبر هذا المذهب أدنى إلى أصحاب الحديث؛ لذلك نشأ من بين أتباعه الإفراط في احترام الفقه المأخوذ من النصوص، نشأ ذلك أولا في مذهب أحمد بن حنبل المتوفى سنة 241ه/855م. ثم نشأ أشد وأقوى في مذهب الظاهرية، وهو المذهب الذي أسسه داود بن علي الأصفهاني المتوفى سنة 270ه/883م، وداود هو أول من استعمل قول الظاهر، وأخذ بالكتاب والسنة، وألغى ما سوى ذلك من الرأي والقياس.
وقد كتب البقاء للمذاهب الأربعة الأولى المعمول بها عند جمهور المسلمين إلى اليوم، وكتب لها التغلب على سواها من مذاهب أهل السنة: كمذهب الحسن البصري بالبصرة المتوفى سنة 110ه/828-829م، ومذهب سفيان الثوري بالكوفة المتوفى سنة 161ه/777-778م، ولم يطل العمل بهذين المذهبين لقلة أتباعهما، وبطل العمل بمذهب الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو أبي عمر من الأوزاع - بطن من همدان - المتوفى سنة 157ه/773-774م وكان مذهبه بالشام والأندلس وغيرهما.
وانقرض مذهب أبي ثور إبراهيم بن خالد المتوفى سنة 240ه/854-855م بعد القرن الثالث وكان ببغداد، واشتق مذهبه من مذهب الشافعي، وانقرض مذهب الطبري أبي جعفر محمد بن جرير المتوفى سنة 310ه/922-923م بعد القرن الرابع، كما انقرضت مذاهب أخرى، إلا الظاهري فقد طالت مدته وزاحم الأربعة ودرس بعد القرن الثامن، ولم يبق إلا الأربعة ومذاهب أخرى خاصة بطوائف من المسلمين لا يعدها جمهورهم من مذاهب أهل السنة، وذلك كمذهب الشيعة والخوارج.
21
هذا وإنا وإن كنا نرى الدلائل متضافرة على أن الرأي نشأ في التشريع الإسلامي منذ نشأ الإسلام، ومن قبل أن يمتد به الفتح إلى ما وراء البلاد العربية، فإنا لا ننكر أنه كان في تدوينه وتفريعه وضبط قواعده موضعا للتأثر بعناصر خارجية، حتى لقد انتهى علم «أصول الفقه» بأن جمع من مسائل المنطق وأبحاث الفلسفة والكلام شيئا غير قليل، ويقول أهل هذا العلم إن مبادئه مأخوذة من العربية وبعض العلوم الشرعية والعقلية، على أن هذا لا يمس ما قررناه من أن النظر العقلي نشأ أصلا من أصول التشريع في الإسلام يؤيده ويحميه.
ولم تنزل مكانة الرأي في الفقه الإسلامي إلا من يوم أن جاء دور الجمود، ووقف العلم والعمل بين المسلمين عند حد محدود.
Bog aan la aqoon