136

============================================================

الهيد شح معالم العدل والتوحيل الأول ما قد تقرر أن العالم بما يفعله لا يفعله إلا لداع باتفاق من الكل، وكل عاقل يعلم ذلك من نفسه ضرورة. ومتى استحال من العالم أن يفعل فعله لغير داع فلا بد من كون الداعي شرطا في وجود الفعل، إذ لو لم يكن شرطا لكان لا معنى لتلازمهما؛ لأن كل أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر جاز انفصال أحدهما عن الآخر، فكان لا يمتنع وجود الفعل من العالم به من غير داع إليه، فلما علمنا خلاف ذلك بالضرورة كان دلالة على أن الداعي شرط في وجود الفعل ومحتاج في وجوده إليه، ولا شك أن أدنى درجات الاحتياج هو الشرطية، ال ومتى كان الداعي شرطا في وجود الفعل استحال وجوده من دونه، لأن فائدة كون الشييء شرطا في غيره أنه يصح وجوده إذا وجد الشرط ويمتنع وجوده مع عدم شرطه.

فإذا تقرر ذلك فلا فرق بين كون القادر عالما بما يفعله وبين ألا يكون عالما بفعله في افتقار الفعل إلى الداعي؛ لأن وقوف الشييء على غيره هو لأمر يرجع إليه في نفسه لا لأمر يرجع إلى غيره من كون القادر عالما أو غير عالم. لا يقال: إنما امتنع من العالم بما يفعله وقوع فعله من غير داع لأن كونه عالما بفعله هو الداعي نفسه. فلو فرضنا وقوع الفعل من العالم لغير داع مع أن الداعي لا يزيد على حاله بكونه عالما به لتناقض الكلام، وليس كذلك الساهي والنائم فإنهما غير عالمين بما يفعلانه، فلم يتناقض قولنا إنهما يفعلان لغير داع؛ لأنا نقول: هذا غلط. فإن علم العالم بفعله أمروراء الداعي ومخالف له، فإن معنى كون الفاعل عالما بما فعله هو آنه يعلم حقيقته وجنسه من كونه حركة وسكونا وقياما وقعودا حتى يصح منه اتخاذه والقصد إليه، والداعي هو آمر زائد على علمه بحقيقته وجنسه وهو كونه مؤديا إلى النفع أو دفع الضرر هذا في داعي الحاجة أو كونه حسنا وإحسانا إلى الغير هذا في داعي الحكمة، ولو كان الغرض من الداعي هو نفس علمه بحقيقته لكان الكلام متناقضا، فبطل ما أوردوه وصح أن الداعي شرط في وجود الفعل من العالم وغيره.

Bogga 136