Tamalluk Faransawiyya Aqtar Misriyya
ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية
Noocyada
وبالاختصار نقول إن الأمير عبد الله منو من بعد ثلاثة أيام سار بباقي العساكر على طريق رشيد، وولى مكانه الجنرال بليار قيمقام، وهذا الجنرال من رجال الجنرال ديزه حاكم الصعيد سابقا، وكان رئيسا في الأحكام شديد البأس في الحرب والصدام، وكانت الفرنساوية بدت تخلي الأقاليم والبلاد، ويتجمعون في مدينة مصر، ثم قد أخلوا قطية وبلبيس والصالحية وجميع الوجه الشرقي وأرض الصعيد ودمياط والمنصورة، وقد انحصروا في القاهرة والرحمانية وفي رشيد أمام العساكر العثمانية والإنكليزية، وكانت عدة المحاربين من الفرنساوية ثلاثة عشر ألف مقاتل فقط، ما عدا أرباب الصنايع والنساء والأولاد فكانوا مقدار سبعة آلاف، والبقية ماتوا بالحروب والجلاد، والبعض توجهوا للبلاد، فهؤلاء جميعهم انحصروا في القاهرة والرحمانية ورشيد والإسكندرية، وبقي في بوغاظ دمياط المعروفة بالعزبة مايتان صلدات، ومن بعد حضور حسين قبطان باشا ساري عسكر العمارة العثمانية مع عمارة الإنكليزية وطلوعهم لأبو قير هجموا على رشيد، وإذ لم يستطع الجنرال حاكم رشيد والعساكر الفرنساوية لمصادمة هؤلاء الجيوش فسلم المدينة وخرج، وبنت العساكر الفرنساوية متاريسها في الرحمانية، وانتشب الحرب بين العسكرين، وكان ذلك في ابتدا شهر ذي القعدة إلى ثمانية ذي الحجة ختام سنة 1215. وكان في تلك الأيام حدث طاعون عظيم في مدينة مصر وأقطارها، ومات في الصعيد الأمير الشهير صاحب الكوكب المنير الأمير مراد بيك، وكان حزنا عظيما عند الغز المصريين؛ لأنه طفى سراج زمرة المماليك الشجعين، ومات سليمان بيك وعدة من الكشاف والمماليك، وعند موت مراد بيك جمع مماليكه وأقام عليهم العساكر الجنرال رانيه والجنرال داماس وهم المكروهين منه أن يتقدما لمساعدة لانوس، فتخلفا وأبيا عن التقدم، وقرعت طبول الكسرة والرجوع إلى ورا؛ نكاية في أمير الجيوش، وارتدت العساكر الفرنساوية، وتظاهرت عليهم العساكر الإنكليزية لما علموا من الانفساخ الذي ظهر فيما بينهم، فانتصروا عليهم نصرة عظيمة من بعد ما كانوا أيسوا من السلامة والغنيمة، وارتدت الفرنساوية إلى متاريسها.
وظهر في هذه المعركة الجنرال نقولا الروم وعارك عراكا شديدا، فعندما نظر أمير الجيوش انقسام قلوب العساكر أجمع رأيه أن يترك جانبا بالمتاريس بأرض الرحمانية نحو ثلاثة آلاف، وسار بباقي العسكر إلى الإسكندرية، وبدأ يبني المتاريس في خارج المدينة، وقفل أبواب البلد، فجاءت الإنكليزية وقطعت السري الذي بين بحر المالح وبين خليج النيل المؤدي إلى الإسكندرية، وكان قصد الإنكليز قطع الطريق ما بين إسكندرية والقاهرة؛ لأجل شدة المحاصرة، وكان إبراهيم باشا قد أحرق قطية وتسلم مدينة دمياط، وأما العساكر التي كان أبقاها أمير الجيوش في المتاريس بالرحمانية؛ فإنهم عملوا حربا عظيما وتركوا المتاريس ليلا وتوجهوا إلى مصر، وصارت العساكر الفرنساوية قسمان قسم بالإسكندرية مع أمير الجيوش وقسم في القاهرة مع الجنرال بليار أعظم الجبابرة.
وتقدمت عساكر الوزير للحصار من كل فج وديار، وداروا حول مصر شرقا وغربا وبرا وبحرا، ونهضت الغز المصريون عزوة مراد بيك من أراضي الصعيد، وأتوا إلى مدينة رشيد، وقابلوا حسين باشا قبوطان، واختلطت العساكر العثمانية مع المصرية والإنكليزية حول مصر الغربية، وقدم الوزير الأعظم بعساكره من الجهة الشرقية، وأبطا إيابه إبطاء زايدا وكان السبب أنه حضر له أوامر من الباب العالي وإلى حسين باشا قبوطان أن يتوقفا في الحرب عن الفرنساوية المقيمين في مصر، وكذلك كنا ذكرنا سببه سابقا وأن المكاتب التي أرسلها السلطان باولو ملك روسيا، وفي غضون ذلك جدت الأعلام من الباب العالي بوفاة المشار إليه السلطان باولو الذي كان مع الفرنساوية ضد الإنكليزية، فعند حقيقة تلك الأخبار رجعوا لما كانوا عليه من الحصار وإخراج الفرنساوية من الديار المصرية، وكان ذلك في شهر محرم سنة 1216.
هذا والجنرل بليار لم يكن عنده افتتاح أخبار؛ وكل ذلك من انقطاع الطرق والمسالك، فأرسل ماية هجانا على طريق البرية إلى مدينة الإسكندرية؛ لينظر الأخبار من تلك الديار وما جد من الأمور من طرف الجمهور، وسارت الماية هجان وغابوا مدة طويلة نحو أربعين يوما وما خبر منهم بان، وكان الجنرال بليار في اضطراب عظيم ووسوس جسيم من عدم إيابهم وطول غيابهم، وبعد المدة المذكورة حضروا الهجانة عن طريق الجبل وجازوا ليلا على معسكر الإنكليز المقيم أمام الجيزة غربي الكنانة ولم حسوا بهم حين مروا عليهم، ودخلوا الجيزة وحضروا لدى الجنرال بليار، وأطلعوه على صحة الأخبار، وأتى له جواب من أمير الجيوش يعلمه أنه حضر مركب صغير من مدينة باريز، وصحبته كتابات من القنصل الكبير يعلم بها أن السلطان باولو سلطان المسكوبية اتحد معه على حرب الإنكليز وأرسل إلى الدولة العثمانية برفع الحرب عن الفرنساوية الذين بالديار المصرية، ولم يكن داريا بوفاة السلطان باولو الذي كان قد أوقف الحرب، وحضر كتاب إلى الجنرال يعقوب القبطي يمدحه على شجاعته وفروسيته ويوعده بسمو مرتبته ويشدده على الحرب والجلاد ومصادمة الأضداد، وأن لا بد له من الإسعاف من المشيخة والإمداد.
وعندما تحقق الجنرال بليار تلك الأخبار أخذ ألفين مقاتل وسار بهم ليلا إلى معسكر الوزير، وكانت قد وصلت طلايع الوزير الأعظم إلى بلبيس مسافة يوم عن القاهرة، وهناك تلاطمت العساكر العثمانية مع عساكر الفرنساوية، ومات عدة من الأرناوط ومن الغز، وحين نظر الجنرال بليار أن جيوش الترك كثيرة وهم قاصدون الجلاد والغزو والجهاد، وليس الأمر كما زعم أمير الجيوش بأن الحرب متوقف، فرجع إلى مصر في حمية وتمكن داخل الحصارات القوية، وابتدت العساكر تتوارد إلى شهر صفر سنة 1216 إلى أن بلغوا لقرب القاهرة، وكان الوزير الأعظم قادما من الشرق، وحسين باشا من الغرب مع عسكر الإنكليز، وضرب الوزير الرستاق في أرض شيرة والمكاس في القرب من الكنانة، وحسين باشا ضرب الرستاق مع عسكر الإنكليزية أمام مدينة الجيزة غربي مصر، وتكاثرت جيوشهم واجتمع عليهم طموش غفيرة وعربان كثيرة، هذا وذلك الجبار والأسد المغوار الجنرال بليار قايما في الكنانة أمام ذلك الجم، وقلبه أشد من الصخر الأصم، ووقعت هيبة عند ذلك الجمع الملتئم؛ لأن قد شاع ذكر هؤلاء الشجعان في ساير البلدان، واشتهرت سطوتهم وانتشرت صولتهم، وقد كانوا هؤلاء العتاة لا يعرفون الموت من الحياة؛ فلذلك اجتهدت الدولة العثمانية بإخراجهم من مملكة مصر بالسلامة والاطمأنية، وقد خافوا أيضا ليلا يخرجونهم بالسلامة والسكون في البلد ويحرقوها، وكانوا قادرين على ذلك لما عندهم من الاستعداد وقوة الجلد والجهاد؛ فلذلك استقامت تلك العساكر والممالك يتداولون في أن كيف يحتالون؟ وكيف يخرجونهم بالسلامة والسكون.
وفي نصف صفر أرسل السرعسكر الإنكليز رسولا يطلب من الجنرال بليار أن يرسل أحدا من طرفه لأجل المفاوضة بأمر الصلح، فأرسل له أحد الكوميسارية، ولما وصل إلى مقابلته أخبره أولا بموت السلطان باولو، وكان قصده بهذا الخبر لأجل قطع آمالهم من إعانة المسكوب وانقطاع رجاهم، ثم بدأ يتفاوض معه بأمر الصلح وتسليم المملكة إلى أصحابها وإذهابهم إلى أوطانهم بالأمان، ويريه انقطاعهم في هذه البلاد وعدم إسعافهم والإمداد، وأن الخروج لا بد منه وكل محصور مأخوذ، وبعد ذلك سيره أن يرد عليه الجواب فرجع الكوميسار إلى عند بليار وأعلمه بهذه الأخبار وعن وفاة السلطان باولو وكلام سرعسكر الإنكليز.
فلما سمع الجنرال بليار هذه الأخبار صنع ديوانا وجمع ساير الجنرالية ورؤساء العساكر الفرنساوية، وأخبرهم بمخاطبة سرعسكر الإنكليز وطلبه الصلح والتسليم، ثم استشارهم كيف يكون الجواب؟ وما يقتضي رأيهم من الصواب؟ فمكثوا برهة يتداولون ويتشاورون، ثم إنه اجتمع رأيهم أن التسليم أوفق وعدم الحرب أرفق؛ بحيث إن الخروج يكون سليم العاقبة على شروط مناسبة، وعلى ذلك عقدوا الرأي وبدوا يسطرون شروطا وعهود لتسليم مملكة مصر، ومن بعد أن حرروا الشروط قدموها إلى الجنرال بليار، وأرسلها إلى سر عسكر الإنكليز مع الكوميسار، ثم نصبوا خيمة في بر الجيزة بين العسكرين، وهناك تصير المفاوضة بين الفريقين، فالذين انقاموا وكلاء لأمر الصلح من طرف الفرنساوية الكوميسار ويوسف الترزي الأرمني، ومن طرف الإنكليز الجنرال سميت ساري عسكر وأحد الكوميسارية، ومن طرف الوزير الأعظم عثمان بيك، ومن طرف حسين باشا قبطان إسحق بيك.
واستمرت المداولات بأمر الصلح أربعة أيام، فحينما تمت تسجلت المواثيق والعهود وانعقد الرأي على تسليم مصر وإعطاها إلى الدولة العثمانية وخروج العساكر وجميع الفرنساوية منها على موجب الشروط الآتي ذكرها عن سيدنه سميت سرعسكر الدولة الإنكليزية، ثم حتمت الفرنساوية بأن يكون التسليم عن يد حسين باشا قبطان بوسطة الإنكليز؛ وسببه كان هذا المشار إليه يميل لطرف الفرنساوية ميلا عظيما، وذلك قبل دخولهم وأخذهم الأقطار المصرية، وقد تهمه الوزير الأعظم أن دخولهم كان باطلاعه، وتقمقمت الفرنساوية على الوزير لدخوله في الجمعية، وقالوا نحن لا نعقد معه شروطا ولا نقبل منه خطوطا؛ لأنه قد كان خان عهوده مع أمير جيوشنا الأمير كليبر، وإذ لم يقدر على التغلب عليه أرسل قتله خفية، ثم ثبت التسليم عن يد حسين باشا وسرعسكر الإنكليز، وتسطرت أسطر الشروط وانختمت من الثلاث دول.
وهذه صورة الشروط:
الشرط الأول:
Bog aan la aqoon