وأما العلة الثانية فالتذاذ الإنسان أيضا بالطبع بالوزن والألحان. فان الألحان يظهر من أمرها أنها مناسبة للوزن عند الذين فى طباعهم أن يدركوا الأوزان والألحان. فالتذاذ النفس بالطبع بالمحاكاة والألحان والأوزان هو السبب فى وجود الصناعات الشعرية، وبخاصة عند الفطر الفائقة فى ذلك. فاذا نشأت الأمة تولدت فيهم صناعة الشعر من حيث إن الأول يأتى منها أولا بجزء يسير، ثم يأتى من بعده بجزء آخر، وهكذا إلى أن تكمل الصناعات الشعرية وتكمل أيضا أصنافها بحسب استعداد صنف صنف من الناس للالتذاذ أكثر بصنف صنف من أصناف الشعر — مثال ذلك أن النفوس التى هى فاضلة وشريفة بالطبع هى التى تنشئ أولا صناعة المديح، أعنى مديح الأفعال الجميلة؛ والنفوس التى هى أخس من هذه هى التى تنشىء صناعة الهجاء، أعنى هجاء الأفعال القبيحة؛ وإن كان قد يضطر الذى مقصده الهجاء للشرار والشرور أن ممدح الأخيار والأفعال الفاضلة ليكون ظهور قبح الشرور أكثر، أعنى إذا ذكرها ثم ذكر بازائها الأفعال القبيحة.
فهذا ما فى هذا الفصل من الأمور المشتركة لجميع الأمم أو للأكثر. وسائر ما يذكر فيه فكله أو جله مما يخص أشعارهم وعادتهم فيها. وذلك أنه يذكر أصناف الصناعات الشعرية التى كانت تستعمل عندهم، وكيف كان منشأ واحدة واحدة منها بالطبع، وأى جزء هو المتقدم منها فى الكون على أى جزء، وبخاصة فى صناعة المديح وصناعة الهجاء المشهورتين عندهم. ويذكر، مع هذا، أول من ابتدأ صناعة صناعة من تلك الصنائع الشعرية المعتادة عندهم و من زاد فيها ومن كملها بعد. وهو فى هذا الباب يثنى على أوميروش ثناءا كثيرا، ويعرف أنه الذى أعطى مبادئ هذه الصنائع، وأنه لم يكن لأحد قبله فى صناعة المديح عمل له قدر يعتد به، ولا فى صناعة الهجاء، ولا فى غير ذلك من الصنائع المشهورة عندهم.
قال: والأنقص من الأشعار والأقصر هى المتقدمة بالزمان، لأن الطباع أسهل وقوعا عليها أولا. والأقصر هى التى تكون من مقاطع أقل، والأنقص هى التى تكون من نغمات أقل أيضا.
Bogga 207