قال: وإنما تحدث الرحمة والرقة بذكر حدوث الشقاوة بمن لا يستحق وعلى غير الواجب. والخوف إنما يحدث عند ذكر هذه من قبل تخيل وقوع الضار بمن هو دونهم، أعنى بنفس السامع، إذ كان أحرى بذلك. والحزن والرحمة إنما تحدث عند هذه من قبل وقوعها بمن لا يستحق. وإذا كان ذكر الفضائل مفردة لا يوقع فى النفس خوفا من فواتها ولا رحمة ومحبة، فواجب على من يريد أن يحث على الفضائل أن يجعل جزءا من محاكاته — للأشياء التى تبعث الحزن والخوف والرحمة.
قال: ولذلك المدائح الحسان الموجودة لصناعة الشعر هى المدائح التى يوجد فيها هذا التركيب، أعنى ذكر الفضائل والأشياء المحزنة المخوفة المرققة.
قال: ولذلك يخطئ الذين يلومون من يجعل أحد أجزاء شعره هذه الخرافات. ومن الدليل على أن ذلك نافع فى المديح أن صناعة المديح الجهادية قد تدخل فيها المغضبات. والغضب هو حزن مع حب شديد للانتقام.
وإذ كان ذلك كذلك فذكر الرزايا والمصائب النازلة بأهل الفضل يوجب حبا زائدا لهم وخوفا من فوات الفضائل. فأما محاكاة النقائص فى المدائح فقد يدخلها قوم فيها، لأن فيها ضربا من الإدارة، لكن مناسبة ذم النقائص لصناعة الهجاء أكثر منها لصناعة المديح. ولذلك لا ينبغى أن يكون تخييلها فى المدائح على القصد الأول، بل من قبل الإدارة. وإذا كان الشعر المديحى تذكر فيه النقائص، فلا بد أن يكون فيه ذكر الأعداء المبغضين.
والمدائح إنما تنبغى على ذكر أفعال الأولياء والأصدقاء. وأما عدو العدو أو صديق الصديق فليس يذكر: لا فى المدح ولا فى الذم، إذ كان لا صديقا ولا عدوا.
قال: وينبغى أن تكون الخرافة المخيفة المحزنة مخرجها مخرج ما يقع تحت البصر —
— يريد : من وقوع التصديق بها، لأنه إذا كانت الخرافة مشكوكا فيها أو أخرجت مخرج مشكوك فيها، لم تفعل الفعل المقصود بها. وذلك أن ما لا يصدقه المرء فهو لا يفزع منه ولا يشفق له. وهذا الذى ذكر هو السبب فى أن كثيرا من الذين لا يصدقون بالقصص الشرعى يصيرون أراذل، لأن الناس إنما يتحركون بالطبع لأحد قولين: إما قول برهانى، وإما قول ليس 〈ب〉برهانى. وهذا الصنف الخسيس من الناس قد عدم التحرك عن هذين القولين.
Bogga 219