Talkhis Sama Wa Calam
تلخيص كتاب السماء والعالم
Noocyada
فنقول: ان الأولين اختلفوا في موضع الأرض فكل من زعم أن السماء متناهية قال أن الأرض في الوسط. فأما شيعة فيثاغورش وقوم غيرهم من القدماء فانهم قالوا أن النار هي الموضوعة في الوسط، وأما الأرض فهي متحركة عندهم حول الوسط، وقالوا ( أيضا ) أن أرضا أخرى مقابلة لهذه الأرض، وان عن حركة هذه الأرض التي نحن عليها وحول الأرض الأخرى يحدث الليل والنهار. وهو يعذل هذه الشيعة ويقول انما صاروا لمثل هذه الأقاويل لأنهم لا يرومون ان يطابقوا ما يقولونه في علل الأشياء موافقة الأمور المحسوسة [ 26 ظ : ع ] وشهادتها لها، وهي الجهة التي ينبغي أن يتوخاها من يروم أن يعطي في الشيء سببا طبيعيا، بل يفعلون عكس هذا وهو انهم يرومون نقل ما يظهر للحس وصرفه بالقول ( 25 ظ ) [ 17 ظ ] المموه إلى الأسباب التي اعتقدوها في تلك الأشياء، فهؤلاء ليس يثبتون آرائهم من الحس ولا من القياس بل انما يرومون أن يصيروا الحس والقياس تبعا لآرائهم واعتقادهم في الشيء. فاما الحجة التي اعتمدوها في هذا الرأي فانهم قالوا ان النار أشرف من الأرض، والشيء الشريف فينبغي أن يكون في الموضع الأشرف، والموضع الأشرف هو الموضع الوسط من العالم، والموضع الوسط من العالم هو المركز لأنه الذي بعده من محيط العالم بعد واحد، فالنار إذن هي في هذا الموضع. قالوا والعلة في أن الشيء الشريف ينبغي أن يكون في الوسط أن الموضع للوسط هو الحائط للأشياء، والشيء الأكرم والأشرف ينبغي أن يكون محفوظا، وليس في العالم أشرف من النار، فلهذه العلة كانت في الموضع الوسط. وأرسطو يقول أنه ذهب عليهم في هذا القول ان الوسط يقال على معنيين: أحدهما الوسط في العظم والمقدار، وهو الذي بعده من الطرفين بعد واحد. والثاني الوسط في القوة والفعل. وليس هذا الوسط (هو) الوسط الذي في العظم (والمقدار)، وذلك أن الوسط الذي في القوة يوجد في سائر المقولات، والوسط الذي في العظم إنما يوجد في مقولة الكم فقط. وكما أن الوسط الذي في القوة في الحيوان هو غير الوسط في العظم، كذلك ينبغي أن يعتقد في أمر العالم، أعني أن الوسط فيه في القوة ليس ينبغي أن يكون هو الوسط في المقدار. وإذا تبين أن الوسط (الذي) في القوة غير الوسط (الذي) في المقدار وذلك في العالم وفي غيره من الموجودات، وكان الحافظ هو الوسط في القوة لا (الوسط) في المقدار، فالشيء الأشرف إنما ينبغي أن يكون في المكان الأوسط بالقوة، فلذلك ما ينبغي أن نفحص أي هو الموضع الأوسط بالقوة، فإن الأوسط في القوة هو مبدأ وهو الحافظ للشيء الذي فيه. واما الأوسط في المقدار فهو أحرى ان يكون أخيرا من أن يكون مبدأ ، فإنه محوي لا حاوي، والحاوي أشرف من المحوي، وهذه هي حال المكان الفوق الذي نرى نحن أنه موضع (النار مع المكان الأسفل الذي نرى أنه موضع) الأرض، أعني أن المكان الفوق هو الأوسط بالقوة، والأسفل الأوسط بالمقدار. وإنما كان ذلك كذلك لأن الفوق يحوي الأسفل والحاوي بمنزلة الصورة والمحوى بمنزلة المادة. فهذه هي مذاهب القدماء في موضع الأرض من قال منهم أنها في الوسط ومن قال أنها في غير الوسط.
ب - الفصل الثاني
Bogga 254