فهو من جنس البيانان التي تعرف بالمنطقية وهي تأتلف من المقدمات العامة الصادقة التي ليست بخاصة بالجنس المنظور فيه. وهذا هو الفرق بينها وبين المقدمات الذاتية. فان المقدمات الذاتية خاصة بالجنس المنظور فيه ومناسبة له. والفرق أيضا بين هذه المقدمات المنطقية وبين المقدمات الجدلية، ان هذه صادقة بالكل بالذات، والجدلية كاذبة بالجزء وليست صادقة بالكل الا بالعرض. وهو يستعمل هاهنا من هذا الجنس من البرهان، أعني الذي يأتلف من المقدمات العامة الصادقة براهين: أحدها: انه إن وجد هاهنا جسم بسيط لا نهاية [9 ظ] فلا يخلو أن يكون متصلا أو منفصلا متفرقا كما يعتقدة ديمقراطيس ولو قيش في الأجزاء التي لا تتجزأ. فإن كان متصلا فلا تخلو حركته ان تكون مستديرة أو مستقيمة، فان كانت مستديرة كان لها ضرورة وسط، لأن الجسم المستدير هو الذي يدور حول الوسط. وماله وسط [7 و: ع] فله أطراف، وماله أطراف فهو متناه. وأما الجسم غير المتناه فليس له وسط، إذ ليس له أطراف، فإن الوسط انما يقال بالاضافة إلى الأطراف. فالجسم غير المتناه، ان وجد، لم يمكن أن تكون حركته مستديرة، فقد بقي أن تكون (خركته) مستقيمة. لكن ان كانت حركته مستقيمة، احتاج ضرورة إلى موضعين كل واحد منهما غير متناه أحدهما ما منه يتحرك، وهو الموضع القسري، والآخر (ما) إليه يتحرك، وهو الموضع الطبيعي الذي فيه يسكن. وإذا مانت المواضع اثنين، فواجب أن يكون كل واحد منهما متناهيا، وان يكون الجسم الحال فيهما متناهيا، فإن غير المتناهي ليس يمكن فيه أن يوجد في موضعين اثنين بالعدد. وأيضا إذا كان له مكانان وجب أن يتحرك في أحدهما قسرا، وفي الآخر طبعا فان وجدت له الحركة التي بالقسر، وجب أن يوجد جسمان غير متناهيين. وذلك أن المتحرك قسرا يجب ضرورة أن تكون له قوة غير متناهية، ويكون غير متناه ضرورة. وإذا كان هنالك جسمان غير متناهيين فهنالك مكانان غير متناهيين، وذلك مستحيل، فإن المكان محدود. إذ قد تبين من أمره انه النهاية المحيطة. وبيان آخر أيضا: وهو أنه ان كان يوجد جسم غير متناه فهو اما يتحرك بذاته ومن تلقائه واما يتحرك من غيره. لكن ان تحرك من ذاته كان حيوانا، وكل حيوان حساس، وكل حساس فله محسوسات من خارج تحيط به، وما هو بهذه الصفة فهو متناه. وان كان المحرك له من خارج، كان جسما غير متناه، فيكون الجسمان غير المتناهيين اثنين، وذلك محال. لأن مجموعهما يكون أعظم من كل واحد منهما، فيكون مالا نهاية له أعظم مما لا نهاية له. وبيتن ثالث أيضا: وهو ان الجسم غير المتناه، ان كان متحركا حركة استقامة فاما أن يكون ثقيلا أو خفيفا. فان كان خفيفا، كان في أفق الكل. وان كان ثقيلا كان في ،سطه. وما كان غير متناه فليس له أفق ولا وسط، وما ليس له أفق ولا رسط فليس له موضع محدود، وما ليس له موضع محدود فهو غير متحرك، وكل جرم طبيعي فهو ضرورة متحرك، اما حركة طبيعية واما عرضية، ولذلك هي باضطرار في مواضع محدودة. وبيان رابع وهو: ان الحرم غير المتناه ان كان موجودا كانت له طبيعة واحدة، لأنه يجب أن يكون غير متناه من جميع جهاته. وإذا كانت له طبيعة واحدة ، كان الموجود جسما واحدا فقط، اما ثقيلا فقط واما خفيفا فقط. لكن بعض الأجسام ثقيل وبعضها خفيف، فالجسم غير المتناه غير موجود. واما ان كان الجسم غير المتناه منفصلا ومفترقا في المكان، على ما يقول أصحاب هذا الرأي، فإنه يلزمهم أن تكون له طبيعة الأجسام المتحركة بطبيعة واحدة، أعني أن تكون كلها اما ثقيلة واما خفيفة، وذلك ان أصحاب هذا القول يسلمون ان طبيعة هذه الأجزاء غير المتناهية طبيعة واحدة، فيؤدي القول إلى المحال المتقدم. فقد تبين من هذه الأقاوبل التي نسقناها ان لجرم الكل نهاية، وانه لا يمكن أن يكون غير متناه.
Bogga 119