* بسم الله الرحمن الرحيم
* تصدير
إن أفضل تعريف يمكن أن يقدم لكتاب
** تلخيص الكون والفساد
«يمثل كتاب الكون والفساد الجزء الثالث من أجزاء العلم الطبيعي لأرسطو ، كما يحتل تلخيص ابن رشد للكتاب الرتبة الثالثة في تلاخيصه الطبيعية. والراجح أن أبا الوليد احترم الترتيب من الناحية الزمنية فالف هذا التلخيص بعد إنهاء تلخيصيه للسماع الطبيعي والسماء والعالم. وهذا ما تؤكده النسخ المعروفة اليوم. ففي نسختي باريس ومودينا نقرأ ما يلي : «وكان الفراغ منه يوم الخميس عقب شهر جمادي الأخيرة من سنة سبع وستين وخمسمائة للهجرة». والنسخ المشار إليها ثلاث. وهي جميعها تشترك في كونها تنقل إلينا النص العربي بحروف عبرية. فهي عربية النص عبرية الحروف. ولكن المهم فضلا عن ذلك هو اننا نجد خلافا بين هذه النسخ الثلاث ، أو نقرأ في إحداها إضافة غير واردة في الأخرى. مثال ذلك ما تثبته نسخة باريس وتثبته نسخة مودينا استدراكا في الهامش ، وذلك في مسألة الفرق بين الموضوع للاستحالة والموضوع للكون والفساد. وهي مسألة ساقطة في نسخة أكسفورد. ومثال ذلك أيضا ما تنفرد به نسخة مودينا ، وذلك في سياق مناقشة مسألة النمو في المادة والصورة. ونحن وإن كنا لا نعلم على وجه القطع تراتب هذه الإضافات من الناحية الزمنية ، فإن وجودها يعني أن تلخيصنا هذا قد خضع هو أيضا للمراجعة والتعديل
Bogga 5
والإضافة. وإذا كان ابن رشد لم يكتب شرحا كبيرا للكتاب كما فعل في السماع الطبيعي ، أو السماء والعالم ، على سبيل المثال ، فإنه لا مفر من اعتبار تلخيصنا هذا قطعة أساسية في التعرف على ما انتهت إليه الرشدية في كثير من الإشكالات الطبيعية ، وذلك على الرغم من أن ابن رشد لم يكن راضيا تمام الرضى على ما وضعه في تلخيصه هذا ، كما افصح عن ذلك في شرحه الكبير للسماء والعالم حين قال «ولذلك يرى الإسكندر أن الجسم الذي هنالك إنما يسمى نارا باشتراك الاسم مع هذا النار. وقد فحصنا عن هذا المسألة فيما فحصناه من كتاب الآثار العلوية. وذكرنا منها طرفا في تلخيص الكون والفساد ، وإن قضى الله أن نصل بالشرح إلى تلك المواضع فسيستوفي الشرح البالغ في ذلك بفضله ورحمته ...». ولعل في هذا القول ما يفيد أن ابن رشد كان يأمل أن يشرح كتاب الكون والفساد شرحا تاما مستوفيا ، كما فعل في غيره من اجزاء العلم الطبيعي.»» (ص 76 77).
وكتاب
** تلخيص الكون والفساد
الفقيد جمال الدين العلوي ، بعد أن قام بتحقيق
** تلخيص السماء والعالم
** وتلخيص الآثار العلوية
** تلخيص كتاب النفس
وأخذنا بعين الاعتبار أن
** تلخيص السماع الطبيعي
بأن كل التلخيصات الطبيعية الموجودة في أصلها العربي قد نشرت.
Bogga 6
هذا وقد سبق للأستاذ فرانسيس هوارد فوبس francishoward fobes أن حقق ونشر الترجمة اللاتينية لتلخيص الكون والفساد (كيمبريج ، الأكاديمية الأميركية للقرون الوسطى ، سنة 1956)؛ ثم نشر الدكتور صامويل كورلاند samuel kurland الترجمة العبرية للتلخيص والجوامع مع ترجمة إلى الإنجليزية سنة 1958 بنفس الأكاديمية.
ولكتاب الكون والفساد جوامع سبق أن نشرت بحيدر أباد تحت اسم رسائل ابن رشد بمعية أربع جوامع طبيعية هي
** السماع الطبيعي
** والسماء والعالم ، الآثار العلوية. والنفس ، بالإضافة إلى كتاب
ما بعد الطبيعة
سنة 1994. وقد قام الأستاذ جوزيپ پويج مونطادا josep puig montada بتحقيق
** جوامع الكون والفساد
وما عدا جوامع كتاب
** النفس
** الحس
** والمحسوس
** ما بعد الطبيعة
** جوامع السماع الطبيعي
** جوامع السماء والعالم والآثار العلوية
وكما أشار الفقيد ، فقد اعتمد في تحقيقه هذا على ثلاثة مخطوطات : مخطوط باريس رقم 1009 عبري ، ويبتدئ من الورقة 1 ظ إلى الورقة 42 ظ؛ ثم مخطوط أكسفورد رقم 34 عبري من الورقة 51 وإلى الورقة 73 ظ؛ ثم مخطوط مودينا رقم 13 عبري ، من الورقة 1 وإلى الورقة 23 ظ. وبالرغم من اشتراك النسخ الثلاث في
Bogga 7
عدم اكتمالها بسبب سقوط أوراق وعبارات منها ، وصعوبة قراءة بعض فقراتها وألفاظها ، فقد اعتبر المرحوم مخطوط باريس المخطوط الأساسي في تحقيقه ابتداء من الجملة الثانية من المقالة الأولى لأنه أكملهما ، وكان يصححه بمخطوطي أكسفورد أولا ثم مودينا ثانيا. وكما أشار الفقيد توجد في مخطوطتي باريس ومودينا هوامش استفاد منها في تقويم النص أو دمجها في متنه. وبالرغم من استعانته بالمخطوطين لملء الفراغات والأخطاء والعبارات الغامضة الموجودة في مخطوط باريس ، فقد ظلت بعض البياضات وبعض العبارات غير المقروءة بدون حل. وابتداء من المقالة الثانية يتوقف المرحوم عن الإحالة إلى مخطوط مودينا ، أي عند الورقة 16 ظ [ص 80] ، ومخطوط أكسفورد عند الورقة 63 ظ ، ولكنه يذكر آخر ورقة منه وهي 73 ظ ، بينما لا يذكر آخر ورقة في مخطوط مودينا التي هي 23 ظ. وضع المحقق أرقاما للفقرات التي تبتدئ بلفظة «قال» والتي تميز جنس التلخيص من جنسي الجوامع والتفاسير.
وأريد بالمناسبة أن أقدم آيات الشكر للأستاذ محسن مهدي على مباركته لهذا المشروع منذ بدايته وتشجيعه على إخراج الأعمال التي تركها الفقيد إلى الوجود ، كما أشكر الأستاذ عبد العلي العمراني جمال على دعمه ومتابعته لهذا العمل ، والأستاذين محمد أبلاغ وعبد العزيز الساوري على ما قاما به من أجل إخراج هذا التلخيص.
Bogga 8
* الرموز
ب : مخطوط باريس رقم 1009 عبري
: مخطوط اكسفورد 34 عبري
م : مخطوط مودينا رقم 13 عبري
[] : اضافة من هامش مخطوط مودينا او اكسفورد ، وفي غالب الأحيان لا يشير المحقق إلى مصدر الإضافة.
< > : اقتراح حذف
Bogga 9
* بسم الله الرحمن الرحيم
المقالة الأولى
إن الذي تضمنته هذه المقالة هو منحصر في ثماني (1) جمل.
الجملة الاولى : في غرض الكتاب وذكر الأشياء التي يتضمن الفحص عنها.
الجملة الثانية : في تعريف مذاهب القدماء في الكون (2) والفساد والاستحالة ومن يمكنه من القدماء بحسب رأيه من مبادئ الكون والفساد أن يفرق بين الكون (3) والاستحالة ومن لا يمكنه ذلك وتعريف من سلك في ذلك ما يلزم عن أصله ومن لم (4) يسلك في ذلك اللازم من اصوله.
الجملة الثالثة : في الفحص عن وجود الكون والفساد في الجوهر ، وهو الكون والفساد باطلاق ، وإن كان موجودا فعلى أي جهة وجوده هل على جهة الاجتماع والافتراق او على جهة أخرى.
الجملة الرابعة : في الفرق بين الكون والاستحالة.
الجملة الخامسة : في تعريف حركة النمو وكيف ينمو النامي وبما ذا ينمو.
Bogga 11
الجملة السادسة : في تعريف المماسة والأشياء المتماسة.
الجملة السابعة : في طبيعة الانفعال والفعل وطبيعة الأشياء الفاعلة والمنفعلة.
الجملة الثامنة : في معرفة الاختلاط والأشياء المختلطة.
الجملة الاولى
1 قال :
إن الغرض الذي قصد إليه هاهنا والأمر الواجب هو تلخيص الأسباب العامة لجميع ما يكون ويفسد بالطبع وتلخيص أسباب النمو والاستحالة ايضا وتعريف ما كل واحد منها ، وهل ينبغي أن يعتقد أن الاستحالة والتكون شيء واحد او هما طبيعتان كما أن اسميهما مفترقان.
الجملة الثانية
2 قال : إن اعتقاد القدماء في الكون المطلق والفساد والاستحالة يوجد على مذهبين : (1)
Bogga 12
احدهما مذهب من اعتقد أن الكون المطلق استحالة ، والثاني مذهب من يعتقد أن الكون المطلق غير الاستحالة (1). فاما من قال منهم بأن الكل (2) شيء واحد وان الأشياء كلها إنما تتكون عن شيء واحد ، فقد يضطره الأمر إلى أن يقول أن الكون المطلق والاستحالة هما شيء واحد ، والسبب في ذلك أن الموضوع لجميع التغايير عند هؤلاء هو شيء واحد بالفعل ومشار اليه غير متغاير (3). واما من جعل العناصر والأسطقسات أكثر من واحد مثل ابن دقليس وانكساغورش ولوقيش وديمقريطس فإنه (4) يلزمهم أن يقولوا (5) ان الكون هو غير الاستحالة لأنه يجب أن يكون الكون باجتماع الاسطقسات [والفساد بافتراقها فالاستحالة شيء غير الاجتماع والافتراق. فأما ابن دقليس فانه كان يقول ان الاسطقسات] (6) ستة ، اثنان محركان وهما العداوة والمحبة وأربعة متحركة وهي الأرض والماء والهواء والنار. واما انكساغورش ولوقيش وديمقراطس فإنهم كانوا يقولون ان الاسطقسات / غير
Bogga 13
متناهية فاما انكساغورش فكان يضع التي بهذه الصفة هي الاجسام المتشابهة الاجزاء وهي التي يسمى الكل منها والجزء باسم واحد بعينه مثل اللحم والمخ والخشب. واما ديمقراطيس ولوقيس (1) فانهما يريان (2) ان التي (3) بهذه الصفة هي اجسام غير متجزئة وانها (4) غير متناهية في عددها واشكالها وان الاجسام المركبة من هذه إنما تختلف لمكان اختلاف الأجزاء التي تتركب منها من قبل ثلاثة أشياء (5) الشكل والوضع والترتيب. وآل انكساغورش يخالفون آل ابن دقليس وذلك ان ابن دقليس يرى ان الاجسام المتشابهة الأجزاء هي مركبة من الاسطقسات الأربعة (6) التي هي الهواء والماء والنار والأرض. وآل (7) انكساغورش (8) يخالفون آل ابن دقليس فيرون ان هذه الاجسام الأربعة مركبة من المتشابهة الاجزاء. وكل هؤلاء كما قلنا قد كان يجب عليهم بحسب هذا
Bogga 14
الرأي في الاسطقسات ان يقول (1) ان الكون المطلق غير الاستحالة ، الا ان بعضهم لزم في ذلك أصله وبعضهم لم يلزم في ذلك أصله مثل انكساغورش وابن دقليس. فاما انكساغورش فلم يلزم أصله لأنه يسمى الكون (2) والفساد المطلق استحالة. واما ابن دقليس فلما كان يضع ان الكون انما هو باجتماع الاسطقسات الأربعة من (3) المحبة ، والفساد بافتراقها عن البغضة ، وكان يضع ان هذه الاسطقسات غير متغيرة بعضها الى بعض وان فصولها التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وغير ذلك من الكيفيات التي تعرض فيها الاستحالة باقية باعيانها فانه (4) بين أنه لا يوجد على مذهبه استحالة ، اذ كانت الاستحالة انما هي في هذه الفصول. وايضا فلما كان يرى انه لا يمكن ان يكون من الماء نار ، ولا من الأرض ماء ، وبالجملة انه لا يكون واحد من هذه الاجسام الأربعة عن صاحبه على طريق الكون والفساد المطلق (5)، فقد يجب ضرورة الا يكون من الأبيض أسود ولا من الصلب لين وهذه هي الاستحالة. وانما كان ذلك واجبا لأنه إذا لم تتغير الاسطقسات بعضها الى بعض لم يكن هنالك موضوع واحد يقبل
Bogga 15
الضدين سواء كانت تلك المضادة من الاستحالة او كانت من الجوهر فإنه واجب ان يكون لكل تغير موضوع سواء كان التغير في الجوهر او في الكم ، أعني النمو والنقص (1)، او في الكيف اعني الاستحالة. ولذلك متى انزلنا موضوعا فهنالك ضرورة تغير ، ومتى انزلنا تغيرا فهنالك ضرورة موضوع ، وليس لقائل ان يقول ان الموضوع (2) في الاستحالة هو غير الموضوع في الجوهر فكيف يلزم اذا رفعنا الموضوع في الجوهر ان نرفع الموضوع في الاستحالة ، فإن الموضوع في الاستحالة انما صار موضوعا لها من جهة الموضوع في الجوهر ، ولذلك يلزم (3) ارسطو في الاستحالة ما الزم من الجوهر فمن هذا يظهر ان ابن دقليس لا يقدر أن يقول بالفرق بين الكون المطلق والاستحالة. وقد أظهر (4) ارسطو ان قول هذا (5) الرجل (6) مناقض لما يوجد عيانا ومناقض بعضه لبعض. أما مناقضته للحس فمن قبل انه ليس يتكون عنده واحد من الاسطقسات / الأربعة عن آخر منها ، بل
Bogga 16
كل شيء يكون من هذه ولا تتكون هذه بعضها من بعض واما التناقض الذي يوجد في اقواله ، فانه لما كان يقول انه ليس لشيء من الأشياء / طبيعة وانما هو اختلاط فقط او افتراق فقط وان الكون لأجزاء العالم انما يكون من ذلك الشيء الواحد المختلط عند ما تتميز منه الأشياء وتفترق بفصول تخصها وآثار ما حتى يكون الواحد منها نارا بانه حار يابس والآخر ارضا بانه بارد يابس والآخر الشمس كما يقول هو بانها شيء حار ابيض / وذلك اذا غلبت العداوة المحبة والفساد للعالم يكون ايضا بأن تجتمع ايضا اجزاؤه من هذا الافتراق فيصير واحدا إذا غلبت المحبة فبين انه يلزم عن ذلك ان تكون الاسطقسات بعضها عن بعض لان التكون والفساد له ليس شيئا اكثر من خلعها (1) الفصول (الموجودة (2) لها بعد الوجود ووجودها بعد العدم (3)، وذلك شيء لزم أن يعرض بالافتراق من ذلك الواحد ويفسد بالاجتماع لذلك الواحد ، فإن (4) الافتراق ليس هو شيئا غير حدوث فصولها والاجتماع ليس شيئا اكثر (5) من خلع تلك الفصول) (6). فلذلك صار قوله ان هذه
Bogga 17
الاسطقسات لا تكون ولا تتكون بعضها من بعض وقوله انها تعود شيئا واحدا وتتكون من شيء واحد متناقض ، وذلك انه لا يمكن ان يقال في هذه انها تصير شيئا واحدا وتلك الفصول موجودة لها بالفعل. فمن هذا يظهر ان اقاويل هذا الرجل من هذا الوجه متناقضة وايضا ما هو خفي من قوله هل يعتقد ان هذه الاسطقسات هي اوائل لذلك الشيء الواحد ام ذلك الشيء الواحد هو أول لهذه الاسطقسات؟ فإنه ان كان وجودها في ذلك الواحد الذي يجتمع اليه واحد (1) بالقوة [اعني (2) انها تتكون منه وهو لها فهي أولى (3) (كذا) وموضوع ، فالواحد أولى ان يكون مبدأ لها من ان تكون هي مبدأ له وان كان وجودها فيه بالفعل وهو واحد بالتركيب] (4) فهي احرى بأن تكون مبدأ له واحرى ان تكون متقدمة بالطبع. فقد تبين من هذا القول مذاهب القدماء من الكون والاستحالة ومن لزم اصوله في الفرق بينهما ومن لم يلزمها.
Bogga 18
الجملة الثالثة
وهذه الجملة فيها ثلاثة فصول :
الفصل الأول يخبر فيه عن الأشياء التي ينبغي ان تعلم من امر الكون المطلق / والفساد المطلق ومن الحركات الاخر مثل النمو والاستحالة وسائر الأشياء المشتركة لهذه التغايير مثل الفعل والانفعال والمماسة والاختلاط ، ويعرف مقدار ما قاله القدماء في ذلك ، ومن قصر فيما أعطى من فصول هذه الأشياء ، ومن أعطى من ذلك شيئا فعلى اي جهة أعطاه.
الفصل الثاني : يحل فيه الشكوك التي يظن بها ان الكون والفساد اجتماع وافتراق ، وان بهذا الوجه يخالف الاستحالة ، وهي الحجج التي جرت العادة أن يستعملها القائلون بالجزء الذي لا يتجزأ ، ويعرف ان اعتقاد وجود اشياء غير منقسمة وعدم اعتقاده ليس بيسير فيما يلزم من ذلك في هذه الامور ، ويقايس بين راي من يعتقد ان الغير منقسمة هي السطوح وبين من يقول انها اجسام.
الفصل الثالث : يفحص فيه عن الأشياء التي يجب ان يفحص عنها في الكون المطلق أعني هل هو موجود وان كان موجودا فعلى اي جهة وجوده.
Bogga 19
الفصل الأول
3 قال :
وقد يجب ان نتكلم في امر التكون المطلق والفساد المطلق. اما اولا فهل هما موجودان / ام ليسا بموجودين وان كانا موجودين فعلى اي جهة وجودهما. وكذلك ينبغي ان نفحص عن هذين المعنيين في الحركات الأخر البسيطة مثل النمو والاستحالة وذلك ان ما قاله القدماء في ذلك يوجد على احد وجهين إما [انهم] تكلموا في هذه الأشياء في البعض ، وإما انهم تكلموا بكلام غير صواب ، وإما انهم جمعوا الامرين مثال (1) ذلك افلاطون فانه لم يبحث عن كيفية كل تكون وانما تكلم في كيفيات تكون الاسطقسات بعضها من بعض ، اعني البسائط ، لا في تكون المركبات عنها مثل تكون اللحم والعظم ، ولم يتكلم ايضا لا في الاستحالة ولا في النمو بأي وجه يكونان في الامور ، وبالجملة فانه لا يوجد احد من القدماء له في جميع هذه الأشياء قول اعني في الكون والفساد والاستحالة والأشياء المشتركة لها التي هي الفعل والانفعال والاختلاط والمماسة الا ما يمكن أن يعرفه الجمهور منها وما يمكن ان يعرف من ذلك في بادئ الامر مثل قولهم ان النمو إنما يكون بان / يتصل الشبيه بشبيهه ما خلا
Bogga 20
ديمقراطس ولوقيس فانهم راموا ان يعطوا لهذه الأشياء فصولا تتميز بها بعضها عن بعض وذلك ان هذين قالا ان مبدأ الأشياء هي الاجسام الغير منقسمة ، الغير متناهية من قبل العدد والشكل ، وان الكون والفساد يعرض باجتماع هذه وافتراقها ، واما الاستحالة فباختلافها بالتركيب والوضع. قالوا وذلك انه يعرض للكيفيات أن تختلف من قبل هذين او أحدهما ومثل ذلك الهجاء والمديح فانهما كيفيتان مختلفتان وهي تتركب من حروف واحدة وانما تختلف بتركيبها. قالوا وهذا هو السبب في ان كان كل تخيل حقا وفي ان / كان يعرض ان يرى في الشيء الواحد بعينه احوال متضادة وغير متناهية ، وهي كلها حق وذلك ان الوضع والترتيب لما كان لا يتناهى في الشيء الواحد بعينه من قبل اختلافه في نفسه ومن قبل اختلاف نظر الناظرين اليه امكن عندهم ان يرى انسان الشيء الواحد بعينه ابيض ويراه الآخر اسود او متحركا ويراه الآخر ساكنا كل ذلك حق لان الطبيعة للكيفيات ليس شيئا اكثر من تبديل الوضع والترتيب ، ولما كان هذان الشيئان يختلفان باختلاف الناظرين اليه لاختلاف الجهات ، فقد يعرض ان يرى الشيء الواحد بعينه واحدا ساكنا ويراه الآخر متحركا ، وكلا الرؤيتين حق وليس للون عندهم ولا لسائر الكيفيات طبيعة غير هذه ، وبالجملة فانهم إنما احتاجوا لهذا الرأي في الاستحالة لما كانوا يعتقدون ان كل تخيل حق.
Bogga 21
الفصل الثاني :
4 قال :
ولما كان اكثر الناس يعتقدون ان التكون شيء والاستحالة شيء غيره ، وان الأجسام تكون وتفسد على جهة الاجتماع والافتراق ، وتستحيل من قبل انها تتغير في الاعراض اللاحقة لها فقد يجب ان نفحص عن الشكوك والاقاويل التي تتضاد في ذلك. فانه ان وضع واضع ان التكون يكون بالاجتماع والافتراق ، لزم عن ذلك وجود الاجزاء التي لا تتجزأ. وقد عددت المحالات التي تلزم عن وجود اجزاء لا تتجزأ في السادسة من / السماع والثالثة من السماء والعالم. وان قلنا ان الكون والفساد ليس هو اجتماعا وافتراقا ، عسر علينا ان / ناتي بالفرق بين الكون والاستحالة. ومبدأ الفحص عن ذلك هو هل الموجودات الطبيعية تتكون وتستحيل وتنمو ويلحقها اضداد هذه من جهة ان مبادئها اعظام غير منقسمة ام ليس يتغير شيء من قبل وجود عظم غير منقسم. وذلك ان الفرق بين الاعتقادات اللازمة في هذه الأشياء عن هذين ليس بيسير. وايضا ان كانت المبادي اعظاما غير منقسمة فهل هي اجسام على مذهب ديمقراطيس ولوقيس ، او سطوح على ما قيل في طيماوس ، فان كلى الرأيين وان كان يلزمهما محالات كثيرة على ما سلف ، فان اقنع القولين هو راى ديمقراطيس ولوقيس وذلك ان هؤلاء قد يمكنهم ان
Bogga 22
يوفوا اسبابا للاستحالة من قبل الاعظام التي لا تنقسم وذلك من جهة الوضع والترتيب كما قلنا. واما من يعتقد ان هذه الاسطقسات هي سطوح فليس يمكنهم ان يقولوا في أمر الاستحالة شيئا وذلك ان الذي يمكنهم ان يقولوا انه تولد عن السطوح انما الجسم فقط لا غير ذلك من الاعراض الموجودة في الجسم التي فيها الاستحالة. والسبب في أن ديمقراطيس ومن قال بقوله امكنه ان يأتي بفصول في هذه الأشياء بحسب مذهبه في المبادي ولم يمكن ذلك افلاطون ، ان أولئك جعلوا نظرهم في الطبيعة من امور طبيعية ومناسبة وافلاطون جعل نظره من امور غير مناسبة (1) بل من امور عرضية ، وذلك بين مما احتج به كل واحد لمذهبه. وذلك ان افلاطون كان يحتج لانه يجب ان تكون هاهنا سطوح غير منقسمة بوجود المثلث وذلك أن السطوح كلها تنقسم اليه ، وليس ينقسم هو الى سطح آخر وانما ينقسم الى مثلثات ، واذا كان كذلك فهو اول السطوح وهو بين ان هذه مقدمات تعاليمية فانه ليس يجب ان يكون اول السطوح هو أول الاجسام. واما ما احتج به القائلون بالاجزاء التي لا تتجزأ ففيه موضع شك وهي ماخوذة من مقدمات طبيعية وذلك انهم قالوا ان كان الجسم يمكن ان ينقسم بكليته ، اي كل نقطة فيه (2) من / النقط التي هي غير متناهية ، يمكن ان ينقسم عليه على حد سواء ولم تختص بذلك نقطة دون نقطة. فاذا انزلنا انه قد انقسم معا
Bogga 23
بالفعل على هذه النقط كلها التي لا نهاية لها فليس يعرض عن ذلك محال ، فان هذا الانزال وان كان كاذبا كان كاذبا ممكنا (1) (كاذب ممكن). والممكن لا يعرض عن وضعه موجودا بالفعل محال ، كما يعرض عن الكاذب الممتنع ، مثال ذلك انه لو انزلنا ان الخردلة يمكن ان تنقسم الى الف الف الف جرما ما لا يمكن احد او لا يقدر على ذلك مما يبطل طبيعة هذا الامكان ولا مما يوجب ان يكون انزالها منقسمة الى هذه الآلاف كذب ممتنعا (كذا) واذا فرضنا ان الجسم منقسم بكليته معا ، أي منقسم على اشياء غير متناهية معا ، فلا يخلو ان ينقسم الى اعظام غير منقسمة او الى اعظام منقسمة او نقط او الى اعراض من اعراضه او ينقسم الى لا شيء. وكونه منقسم / الى اعظام منقسمة مناقض لقولنا انه منقسم بكليته وانه منقسم على كل نقطة ، لانه / يبقى فيه شيء منقسم وهو تلك الاعظام؛ ولو انزلنا تلك الاعظام من الصغر بمنزلة النشارة التي ينقسم اليها الجسم المنشور وايضا فانه يلزم ان يوجد في الشيء المتناهي اعظام منقسمة غير متناهية بالفعل وذلك كله محال؛ وان انزلنا انه ينقسم الى نقط ويتركب عنها لم يحدث من ذلك عظم وذلك ان النقطة من شأنها ان ينطبق بعضها على بعض حتى تكون نقطة واحدة؛ وايضا فمما يدل ان النقط لا تزيد في العظم ولا تنقص منه انا متى قسمنا العظم بنقطتين او ثلاث تم ركبناه فليس يصير العظم اصغر مما كان ولا أعظم ، واذا لم
Bogga 24
يكن لها تاثير في الصغر ولا في العظم فيجب عن ذلك ألا يحدث عظم؛ وايضا فإن النقط يجب ان تتحرك قبل ان يتركب منها العظم حتى تتلاقى وتتماس ، والمتلاقي والمتماس منقسم على ما تبين في
** السادسة من السماع
الى اعراض / موجودة مثل ان ينقسم الى الانفصالات التي تحدثها النقط كان العظم ايضا مؤلفا من غير عظم وإذا بطلت هذه الوجوه فواجب ان كان العظم منقسما بكليته معا ان يكون منقسما الى اجزاء لا تتجزأ.
فهذه هي الأشياء التي يحتج بها من يضع ان عظما غير منقسم. والمحالات التي تلزم وجود اعظام غير منقسمة قد فرغ ايضا من ذكرها. فينبغي ان يقال هاهنا في حل هذا الشك ومن أين دخلت عليهم الشبهة في هذا الاستدلال. فنقول انا لسنا ندفع انقسام الجسم بكليته والى غير نهاية من جميع الوجوه ، لكن هو عندنا ممكن من جهة وغير ممكن من جهة. اما الجهة التي هو عندنا بها ممكن فهو الانقسام بالقوة لا الانقسام بالفعل الذي يكون على جميع النقط التي فيه معا ، فانه لو كان ذلك كذلك للزم ضرورة ان ينحل الجسم الى النقط او الى لا شيء ، او يسلمون ان الاعظام الغير منقسمة هي النقط ، وليس يلزم اذا كان منقسما بكليته بالقوة ، أعني على كل نقطة ان يكون منقسما بالفعل كما توهموا. وذلك انه ليس يلزم اذا كانت كل نقطة في الجسم فهي قابلة للانقسام على حد سواء معا. وان كان منقسما
Bogga 25