يقول باقتضاب: أمك. أقف في بيجامتي البيضاء الصيفية ذات الكمين القصيرين فوق مقعد. أستند بمرفقي على حافة النافذة. أتفرج على المارة. تقترب الشمس من حافة النافذة. أهبط إلى الأرض وأخرج إلى الصالة. صوت أمي يأتي من المطبخ. تغني: «نويت أداري آلامي.»
2
نترك الترام في ميدان «لاظوغلي». أتأمل رأس التمثال الذي تحيط به عمامة كبيرة. نمر من أمام مقهى كبير تغطي المرايا اللامعة جدرانه. المقهى على ناصيتي شارعين يصبان في الميدان. اثنان من أصدقاء أبي يلوحان له ويدعوانه للانضمام إليهما. يشير إليهما أنه ذاهب إلى المبنى المقابل. وأنه سيمر عليهما عند العودة.
نعبر الشارع. مبنى قديم. ندخل من باب مفتوح. نسير في ممر طويل مزدحم برجال كبار. عجوز في بزة كاملة. أقصر من أبي. يعتمد على عصا ويسير بصعوبة. وجهه شديد البياض. يظهر شعر أبيض من حافة طربوشه. نقترب منه. نهم بتجاوزه. يستوقف العجوز أبي. يتطلع إليه أبي مفاجأ. يقول العجوز بصوت متهدج: «خليل» أفندي؟ أنا «رفقي». يصافحه أبي في حرج قائلا: إزيك يا «رفقي» بيه؟ - زي ما أنت شايف. يقول أبي: ربنا يديك الصحة. ينظر العجوز إلي ويسأل: حفيدك؟ - لا إبني. - ما شاء الله. عمل إيه في الامتحان؟ ناجح إن شاء الله؟ يقول أبي: عنده ملحق إنجليزي.
نتركه ونواصل السير. خطوات أبي تبطئ. تختفي الابتسامة التي يرسمها على شفتيه عندما نخرج. نقف في طابور ينتهي بنافذة من الزجاج كتب فوقها بخط نسخ في شبه دائرة: الخزينة وتحتها كلمة أجنبية.
يقترب منا رجل ذو وجه سمين ضاحك. يصافح أبي بحرارة. يسأله لماذا لم يأت إلى اجتماعات الرابطة. يعتذر أبي بمشغوليات الحياة. يسأل عن مصير الشكوى الخاصة بموضوع الاستبدال. يهز الرجل رأسه أسفا: الظاهر مفيش فايدة، الحكومة مصممة تسرقنا. - والحل؟ - لازم نوكل محامي كبير.
يتحرك الطابور. نصبح أمام النافذة. يخرج أبي «سركي المعاش» من جيب سترته. يعطيه للموظف الجالس وراء النافذة. يناوله الموظف بضعة جنيهات. يوقع أبي بالاستلام.
نغادر المبنى. نعبر الشارع. أتوقع أن يذهب إلى المقهى، لكنه يتجنبه. يخترق حارة صغيرة في مواجهتنا. نصبح في شارع الترام. نقف على رصيف المحطة. نركب. ننزل في «العتبة». أعرف الميدان من مبنى المطافئ الأبيض الذي تقف في مدخله سيارات الحريق الحمراء.
نعبر الميدان إلى العمارة الضخمة المقابلة. تعلوها قبة مستديرة. أقول إني عطشان. يعترضنا بائع عرقسوس يدق صاجاته. أجر أحد مقاعد السفرة إلى النافذة وأرتقيه. يخرج بائع العرقسوس من الحارة الجانبية. ملابسه بيضاء نظيفة. إناء العرقسوس الزجاجي مستند إلى بطنه. في فوهته كتلة من القش تبرز منها قطعة ثلج. ظهره مائل إلى الخلف. الصاجات في يده. أنتظر حتى يدقها في إيقاع لطيف ويصيح: «شفا يا عرقسوس حلاوة.»
يعرف أبي أني لا أحب شراب العرقسوس. ندور حول المبنى. نتوقف أمام حانوت «ويلسون». تتصدره منصة فوقها ثلاث أوان زجاجية مستديرة؛ واحدة لمشروب الشعير الأبيض والثانية للتمر هندي والثالثة لشربات أحمر اللون.
Bog aan la aqoon