بعد أن كان هالكا، وقال زفر: ليس له الحبس؛ لأنه صار متصلا بملك الآخر كما لو أمر شخصا بأن يزرع له أرضه ببذر من عنده قرضا فزرعها المأمور صار قابضا باتصاله بملكه فصار كما إذا صبغ في بيت المستأجر قلنا اتصال العمل بالمحل ضرورة إقامة العمل، فلم يكن راضيا بهذا الاتصال من حيث إنه تسليم، بل رضاه في تحقيق عمل الصبغ ونحوه من الأثر في المحل إذ لا وجود للعمل إلا به فكان مضطرا إليه وليس هذا كصبغه في بيت المستأجر؛ لأن العين في يد المستأجر فيكون راضيا بالتسليم؛ لأنه كان يمكنه التحرز عنه بأن يعمل في غير بيته وفي الخلاصة إلا إذا كانت الأجرة مؤجلة وقبل العمل، فليس له الحبس. اه.
والمراد بالأثر أن يكون الأثر متصلا بمحل العمل كالنشاء والصبغ وقبل أن يرى ويعاين في محل العمل وثمرة الخلاف تظهر في كسر الحطب وحلق رأس العبد، فليس له الحبس على الأول وله الحبس على الثاني.
قال - رحمه الله - (وإن حبس فضاع فلا ضمان عليه ولا أجر) أما عدم الضمان؛ فلأن العين أمانة في يده وله حبس العين شرعا فلم يكن به متعديا فلا يجب عليه الضمان ولا يجب الأجر؛ لأن المعقود عليه هلك قبل التسليم وهو يوجب سقوط البدل كما في البيع وهو قول الإمام أحمد، وعندهما يضمن العين؛ لأنها كانت مضمونة عليه قبل الحبس فلا يسقط ذلك بالحبس وصاحب العين بالخيار إن شاء ضمنه قيمته غير معمول ولا أجر له؛ لأن العمل لم يسلم إليه وإن شاء ضمنه قيمته معمولا وله الأجر؛ لأن العمل صار مسلما إليه بتسليم بدله، ولو أتلف الأجير الثوب ويتخير صاحب الثوب في التضمين كما تقدم وفي المضمرات فإن حبس العين من ليس له حق الحبس فهلكت ضمنها ضمان الغاصب، والمؤاجر يخير إن شاء ضمنه قيمتها معمولا وأعطاه الأجير أجرته وإن شاء ضمنه قيمته غير معمول ولا يعطي الأجير اه.
وفي فتاوى أبي الليث نساج نسج ثوبا فجاء به ليأخذ الأجرة، فقال له صاحب الثوب اذهب به إلى منزلك فإذا فرغنا من الجمعة دفعت لك الأجرة فاختلس الثوب من يد النساج في المزاحمة قال إن كان الحائك دفع الثوب لربه فدفعه للحائك على وجه الرهن وهلك الثوب هلك بالأجرة وإن دفعه إليه على وجه الوديعة فهلك هلك على الأمانة والأجر على حاله؛ لأنه سلم العمل إلى صاحبه فيقرر عليه الأجر وفي المنتقى حائك عمل ثوبا بالآخر فتعلق الأمر فيه ليأخذه فأبى الحائك أن يدفعه حتى يأخذ الأجرة فتخرق من يد صاحبه لا ضمان على الحائك وإن تخرق من يدهما فعلى الحائك نصف ضمان الخرق. اه.
وفي الخانية ولو جاء الحائك بالثوب إلى صاحبه فقال له رب الثوب امسك حتى أفرغ من العمل وأعطيك الأجر فسرق منه لا يضمن. اه.
وفي الخانية السمسار إذا باع شيئا من الثياب بأمر ربها وأمسك الثمن حتى ينقد الأجرة فسرق منه الثمن لا يضمن اه.
وفي الحاوي رجل أقرض آخر دراهم فاستأجر منه داره مدة معلومة بأجرة معلومة وجعل الأجر ببعض الدين قصاصا ومضت مدة الإجارة هل للمقرض أن يحبس العين بعد انقضاء المدة، قال ليس له المنع وفي السغناقي لو تزوج امرأة على سكنى دار سنة فسلم الدار إليها ليس لها أن تحبس نفسها عنه. اه.
وفي الولوالجية إذا أجر داره سنة وعجل الأجرة ولم يسلم إلى المستأجر حتى مات الآجر وانفسخ العقد لا يكون للمستأجر ولاية الحبس في الأجرة المعجلة، ولو كانت الإجارة فاسدة وفسخا العقد بسبب الفساد ليس للمستأجر أن يحبس العين بالدين السابق وفي الخلاصة وفي الإجارة الفاسدة للمستأجر حق الحبس لاستيفاء الأجرة المعجلة.
قال - رحمه الله - (ومن لا أثر لعمله كالحمال والملاح لا يحبس للأجر) يعني ليس له أن يحبس للأجر؛ لأن المعقود عليه نفس العمل وهو عرض يفنى ولا يتصور بقاؤه واختلفوا في غسل الثوب حسب اختلافهم في القصار بلا نشاء كما تقدم وفي شرح القدوري قال أبو يوسف في الحمال إذا طلب الأجرة ما بلغ المنزل قبل أن يضعه ليس له ذلك. اه.
وفي الفتاوى استأجر جمالا ليحمل له إلى بلدة كذا بكذا فحمله، فقال له صاحب الجمل أمسكه عندك فهلك فلا ضمان عليه بلا خلاف.
قال - رحمه الله - (ولا يستعمل غيره إن شرط عمله بنفسه) يعني ليس للأجير أن يستعمل غيره إذا شرط عليه أن يعمل بنفسه؛ لأن المعقود عليه العمل من محل معين فلا يقوم غيره مقامه كما إذا كان المعقود عليه المنفعة كما إذا استأجر رجلا للخدمة شهرا لا يقوم غيره مقامه في الخدمة ولا يستحق به الأجر.
قال - رحمه الله - (وإن أطلق له أن يستأجر غيره) لأن الواجب عليه عمل مطلق في ذمته ويمكن الإيفاء بنفسه وبغيره
Bogga 9