(والإيصاء والوصية) والإيصاء إقامة الشخص مقام نفسه والوصية هي التمليك وكلاهما مضاف إلى ما بعد الموت؛ لأنهما لا يكونان إلا مضافين إذ الإيصاء في الحال لا يتصور إلا إذا جعل مجازا عن الوكالة قال - رحمه الله - (والقضاء والإمارة) يجوز تعليقهما بالشرط وإضافتهما إلى الزمان؛ لأنهما تولية وتفويض محض فجاز تعليقهما بالشرط والأصل في ذلك أنه - عليه الصلاة والسلام - «أمر زيد بن حارثة، ثم قال إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة» .
قال - رحمه الله - (والطلاق والعتق والوقف مضافا) لا يخفى أن قوله مضافا نصب على الحال وهو قيد للمذكورات كلها وتقدير الكلام ويصح كل واحد منها حال كونه مضافا إلى الزمان المستقبل قال - رحمه الله - (لا البيع وإجازته وفسخه والقسمة والشركة والهبة والنكاح والرجعة والصلح عن مال وإبراء الدين) يعني هذه الأشياء لا يجوز إضافتها إلى الزمان المستقبل؛ لأنها تمليك، وقد أمكن تنجيزها للحال فلا حاجة إلى الإضافة، وقد تقدم والله تعالى أعلم.
[كتاب المكاتب]
قال في النهاية أورد الكتابة بعد عقد الإجارة لمناسبة أن كل واحد منها عقد يستفاد منه المال بمقابلة ما ليس بمال على وجه يحتاج فيه إلى ذكر العوض بالإيجاب والقبول بطريق الأصالة وبهذا وقع الاحتراز عن البيع والطلاق والعتاق، وهذا مستدرك؛ لأنه يرد عليه أن يقال إنه وقع الاحتراز بهذا الذي ذكره من غير تلك الأشياء الثلاثة أيضا فما معنى تخصيص تلك الثلاثة بالذكر، وقدم الإجارة ؛ لأن المنافع ثبت لها حكم المال لضرورة بخلاف الكتابة، والكلام في المكاتب من أوجه: الأول في معناها لغة، الثاني في معناها شرعا، والثالث في ركنها، والرابع في شرط جوازها، والخامس في دليلها، والسادس في حكم حكمها، والسابع في صفتها، والثامن في حقيقتها، والتاسع في سببها، والعاشر في حكمها فهي لغة مشتقة من الكتب وهو الضم والجمع وسمي الخط كتابة لما فيه من ضم الحروف بعضها إلى بعض وهو اسم مفعول من كاتب أو كتب كتابة ومكاتبة والمولى مكاتب بكسر التاء وشرعا فهي جمع مخصوص وهو جمع حرية الرقيق في المآل إلى حرية اليد في الحال وركنها الإيجاب والقبول وارتباط أحدهما بالآخر، وشرط جوازها قيام الرق وكون المسمى معلوما ودليلها من القرآن قوله تعالى {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} [النور: 33] واختلف في الخير قيل هو أن لا يضر بالمسلمين، وقيل الوفاء والأمانة، وقيل المال ومن الحديث.
قوله - صلى الله عليه وسلم -: «من كاتب عبدا على مائة أوقية فأداها إلا عشر أوقية فهو عبد» وصفتها أنه عقد مندوب إليه مع الصالح والطالح وحكمها انفكاك الحجر وثبوت حرية اليد وحكمها في جانب المولى ثبوت حق المطالبة بالبدل على ما وقع عليه وسببها رغبة المولى في بدل الكتابة عاجلا وفي ثواب العتق آجلا ورغبة العبد في الحرية وأحكامها آجلا وعاجلا قال - رحمه الله - (هي تحرير المملوك يدا في الحال ورقبة في المآل) فقوله تحرير جنس دخل فيه تحرير الرقبة وتحرير اليد فقوله يدا أخرج تحرير الرقبة وأفاد أن له يدا معتبرة فلو كاتب صغيرا لا يعقل لم يجز كما سيأتي وقوله في الحال يتعلق بيد وأخرج بقوله ورقبة في المآل العتق المنجز والمعلق، وهذا تعريف بالحكم، ولو أراد التعريف بالحقيقة لقال هي عقد يرد على تحرير اليد .
[ألفاظ الكتابة]
وأما ألفاظها ففي الجامع الصغير قال لعبده قد جعلت عليك ألف درهم تؤديه إلي نجوما أول النجم كذا وآخره كذا فإن أديت فأنت حر وإن عجزت كنت رقيقا فقبل فهو مكاتب وفي الينابيع قال لعبده أد إلي ألف درهم كل مائة درهم إلى سنة وأنت حر فقبل فهو مكاتب وإن عجز عن سنة وأدى في الشهر الأخير جاز في رواية أبي سليمان وفي رواية أبي حفص ليس بمكاتب قال فخر الإسلام وهو الأصح فإن عجز بطلت اه.
قال - رحمه الله - (كاتب مملوكه، ولو صغيرا يعقل بمال حال أو مؤجل أو منجم وقبل صح) أما جوازها مع الصغير؛ فلأنه تصرف نافع والصغير الذي يعقل من أهل التصرف النافع، وأما جوازها بمال حال أو مؤجل أو منجم فلإطلاق الدليل الصادق بالثلاث حالات؛ ولأن البدل في الكتابة معقود به كالثمن في البيع والقدرة على تسليم الثمن ليس بشرط لصحة العقد ألا ترى أن من ليس عنده شيء جاز أن يشتري ما شاء بما شاء؛ ولأن الكتابة عقد إرفاق فالظاهر أنه يسامحه ولا يضيق عليه قال في المبسوط كاتب عبدا صغيرا لا يعقل لم يجز فإن أدى عنه
Bogga 45