288

وربما تعلق المخالف لنا بما روي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه سئل عن المني يصيب الثوب؟ فقال: (( أمطه عنك باذخرة، إنما هو كمخاط(1)، أو بصاق )).. فلا دليل لهم فيه، بل فيه دليل لنا من وجه، وهو أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما أمر(2) بإماطته، ثبتت نجاسته؛ لأن إماطة ما ليس بنجس لا تجب، وأمره صلى الله عليه وآله وسلم يقتضي الإيجاب، وقوله: (( بإذخرة )) وحدها لا يمكن إماطة جميعه، ومن أماط بعضه لا يكون أماطه.

وقوله: (( إنما هو(3) كمخاط، أو بصاق ))، أراد في لزوجته وشدة لصوقته بالثوب، وأنه يحتاج لإزالته إلى فضل(4) معالجة، على أن الحديث قد قيل فيه: إنه ضعيف، وقد قيل فيه: إنه موقوف على ابن عباس.

ومما يدل على ذلك أنه مائع يجري مجرى النجاسة، ولا يخرج إلا مع أجزاء من النجاسة، فلو وجب كونه طاهرا في الأصل، لصار نجسا؛ بجريه مجرى(5) النجاسة.

وقد اعترض هذا الدليل بقوله تعالى: {من بين فرث ودم لبنا خالصا} [النحل:66]، فقالوا: قد أخبر الله تعالى أن اللبن يخرج من بين فرث ودم وهما نجسان.

قيل لهم: ذلك غلط، وذلك لا يمتنع أن يكون بين الدم وبينه حائل، والآية لا تدل على أنه لا حائل بينهما، على أن ذلك لو ثبت في اللبن، لم يثبت في المني؛ لأنا لا ندعي أن نجاسة ما يجري في مجرى النجاسة عقلا، فيفسدوا قولنا إذا بين خلافه في موضع من المواضع.

ومما يدل على ذلك من طريق القياس أنه سائل من الجسد ناقض للطهارة، فوجب أن يكون نجسا قياسا على البول والغائط، وإن شئنا عللناه بأن نقول: إنه خارج من السبيلين، ويمكن أن يقاس على المذي بعلة أنه خارج من الذكر للشهوة، ويمكن أن يقاس على دم الحيض بعلة أن خروجه يوجب الغسل.

Bogga 288