174

وقد استدل على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمستحاضة: (( اقعدي أيام حيضك ))، وفي بعض الأخبار: (( أيام أقرائك ))، والأيام تكون من الثلاثة إلى العشرة؛ لأن المعدود إذا زاد على العشر، أو نقص من الثلاث، لم يعبر عنها باسم الجمع، وعبر عنها باسم الواحد، وهذا الدليل قريب إذا استدل به لأقل الحيض؛ لأن الأيام لا يقال فيها مضافا إلى الشيء ومفردا في أقل من ثلاثة أيام، فأما ما زاد على العشر، فلا يبعد أن يقال: إنه إذا قيد بالعدد، رد إلى الواحد (وإذا لم يقيد، لم يرد إلى الواحد)(1)، واستعمل فيه الجمع فالأولى أن نقدره(2) بما قلناه إن أقل الحيض ثلاث، ثم يقال: وكل من قال إن الأقل ثلاث، قال: إن الأكثر عشر.

فإن قيل: فالاثنان يعبر عنهما باسم الجمع؟

قيل له: ذلك عندنا مجاز، والحقيقة ما ذكرنا، والواجب حمل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الحقيقة دون المجاز.

فإن قيل: قول الله تعالى: {فاعتزلوا النساء في المحيض}[البقرة:222]، يوجب اعتزال النساء في قليل الأذى وكثيره، إلا ما قام دليله، وإذا ثبت وجوب اعتزالهن للأذى، ثبت لهن المحيض.

قيل له: لو تأملت الآية، لعلمت أن الأمر على خلاف ما ذكرت، وذلك أن الله تعالى وصف المحيض بالأذى، وأمر باعتزال النساء في حال المحيض، ولم يصف الأذى بالمحيض، وهذا يوجب أن كل محيض أذى، وليس يوجب أن يكون كل أذى محيضا، وإذا كان هذا هكذا، فيجب أن يثبت المحيض، ويعلق عليه حكم الأذى، وحكم إعتزال النساء، ولا دليل على ذلك، إلا ما ذكرناه.

وليس لهم أن يستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذا أقبل الحيض، فدعي الصلاة ))، لان الخلاف في الحيض، ولا خلاف في وجوب ترك الصلاة عنده، وقد بينا أن مجرد الدم لا يكون حيضا.

Bogga 174