Tajriba Unthawiyya
التجربة الأنثوية: مختارات من الأدب النسائي العالمي
Noocyada
جلست «إيللا» بمفردها في ركن، ضجرة متضايقة. كان الجميع صامتين يفكرون في الحظ الحسن الذي كشف عن العطب في الوقت المناسب. أكلوا جميعا، قضاء للوقت، وطلبوا شرابا، وجلسوا يتأملون، من النوافذ، الطائرة وقد أحاط بها العمال تحت الأضواء الساطعة.
ألفت نفسها في قبضة شعور عرفت كنهه عندما تفحصته: وحدة. كما لو أن مساحة من الهواء البارد امتدت بينها وبين جموع الناس. كان للشعور برودة جسدية، عزلة جسدية، ووجدت نفسها تفكر في بول من جديد. حتى بدا لها أمرا مستحيلا ألا يظهر فجأة عند الباب ويتقدم منها. كانت تشعر بالبرد المحيط بها يذوب من اقتناع قوي بأنه سرعان ما يكون إلى جانبها. بذلت جهدا لتنتزع نفسها من هذا الوهم. فكرت في رعب: «إذا لم أتمكن من إيقاف هذا الجنون، لن أصير نفسي مرة أخرى، لن أشفى أبدا.» نجحت في إبعاد صورة بول وشعرت بالفراغ البارد يتفتح من حولها ثانية، وداخل البرد/العزلة جلست تقلب أكوام المجلات الفرنسية دون أن تفكر بشيء.
كان يجلس بالقرب منها رجل انهمك في تصفح مجلات طبية. كان يبدو، للوهلة الأولى، أمريكيا. كان قصيرا، عريضا، يتوفز حيوية ونشاطا، ذا شعر مقصوص لامع مثل حذاء بني اللون. وكان يجرع كئوس عصير الفاكهة، الواحدة تلو الأخرى، دون أن يبدو عليه الاهتمام بالتأخير الذي أصاب الرحلة. التقت عيونهما، بعد أن تفقدا الطائرة القابعة في الخارج، فقال بضحكة عالية: «يبدو أننا سنقضي الليلة كلها هنا.» وعاد إلى نشراته الطبية.
وفجأة نشب شجار بين العمال. كان أحدهم، وهو الرئيس على ما يبدو، يعنف الآخرين أو يشكو من شيء وهو يحرك ذراعيه ويهز كتفيه بشدة. في البداية، ردوا على صياحه بصياح، ثم لجئوا إلى الصمت، وسرعان ما انسحبوا إلى المبنى الرئيسي، تاركين رئيسهم وحده أسفل الطائرة. وما لبث هذا أن هز كتفيه وتبعهم.
تبادل الأمريكي وإيللا النظرات من جديد. قال في استمتاع واضح: «لست أعبأ بشيء.» ودعا الميكروفون الركاب إلى صعود الطائرة، فقاما إليها سويا. قالت إيللا: «لعله يجدر بنا أن نرفض الذهاب!» فقال الأمريكي كاشفا عن أسنان سليمة شديدة البياض، بينما تدفق الحماس من عينيه الزرقاوين الطفوليتين: «لدي موعد صباح الغد.» ولا بد أنه كان موعدا بالغ الأهمية حتى يستحق هذه المخاطرة بالموت. أما الآخرون، وأغلبهم شعر بما جرى بين العمال، فقد عادوا في استسلام إلى مقاعدهم، وهم يبذلون جهودهم للتظاهر بعدم المبالاة. بل إن مضيفة الطائرة، التي كانت تبدو في الظاهر هادئة، أوحت حركاتها بشيء من العصبية. وداخل الطائرة الساطع الضوء، جلس أربعون شخصا في قبضة الرعب، وهم يحاولون إخفاء مشاعرهم. كلهم، هكذا فكرت إيللا، عدا الأمريكي الذي استقر إلى جوارها الآن، واستغرق في كتبه الطبية. أما هي فقد صعدت إلى الطائرة وكأنها تصعد إلى غرفة الإعدام. لكنها إذ فكرت في هزة الكتف التي صدرت عن رئيس العمال، ألفتها تجسد شعورها الخاص. وعندما شرعت الطائرة تئز، فكرت: «سوف أموت، محتمل جدا، وإني لمسرورة بذلك.»
لم يكن هذا اكتشافا جديدا: «أنا منهكة للغاية، متعبة كلية، من الأساس، فإذا عرفت أني لم أعد بحاجة للاستمرار في الحياة، شعرت بالارتياح. يا للغرابة! وكل هؤلاء، عدا هذا الشاب الفائر المتوثب قوة وحيوية، يخافون أن تتحطم الطائرة، ومع ذلك ولجوها جميعا طائعين. فلعلنا جميعا نطوي جوانحنا على الشعور نفسه.»
تطلعت في فضول إلى بقية الركاب. واستوت الطائرة أخيرا في الجو فعلق الأمريكي مبتسما: «حسنا، لقد نجحنا.» وعاد إلى القراءة. أغلقت عينيها وفكرت: «أنا مقتنعة تماما بأننا سنتحطم. أو على الأقل هناك فرصة كبيرة لذلك. ماذا يكون إذن من أمر ميشيل؟ لم أفكر حتى فيه. حسنا، سوف تعنى به جوليا.» كان خاطر ميشيل حافزا للحياة لم يستمر سوى لحظة، ثم فكرت: «أن تموت أم في حادث طائرة أمر محزن، لكنه غير مدمر. ليس مثل الانتحار. غريب قولنا إننا نعطي الحياة للطفل، بينما هو الذي يعطي الحياة لأبويه عندما يقرر أحدهما أن يعيش لمجرد أن الانتحار سيلحق الأذى بالطفل. ترى كم من الآباء والأمهات قرروا الاستمرار في الحياة، فقط، لأنهم أرادوا عدم الإساءة إلى أطفالهم؟ (كان النعاس يداعب جفونها الآن) .. أشعر كأنما ولدت بحمل من التعب حملته طول حياتي. الوقت الوحيد الذي لم أكن أجر فيه حملي الثقيل إلى أعلى التل، كان عندما كنت مع بول. كفاني من بول ومن الحب ومن نفسي. معجزة هي تلك العواطف التي نقع في إسارها ولا نملك منها فكاكا، مهما رغبنا بذلك.»
نامت ثم استيقظت لتجد الطائرة قد استقرت على الأرض، والأمريكي يهزها. كانت الساعة الواحدة صباحا. وكانت مخدرة، مثقلة بالتعب والبرد. وظل الأمريكي إلى جوارها، مرحا ، قادرا، يومض وجهه المورد العريض بالصحة. ولم يكن من السهل العثور على سيارات أجرة في ذلك الوقت من الليل، فدعاها إلى أن تشاركه سيارته.
قالت وهي تحاول أن تجعل صوتها يبدو مرحا كصوته: «ظننت أننا سنلقى حتفنا.» ضحك مبرزا كل أسنانه: «أجل. كان الأمر يبدو كذلك. عندما رأيت ذلك الرجل يهز كتفيه بجوار الطائرة قلت لنفسي: يا للهول! لقد حلت النهاية. أين تقيمين؟»
ذكرت له أين تسكن ثم أضافت: «لديك مكان تذهب إليه؟» قال: «سأجد لنفسي فندقا.» قالت: «في هذا الوقت من الليل لن يكون الأمر سهلا. بودي أن أعرض عليك المجيء معي لكني لا أملك سوى حجرتين ينام ابني في إحداهما.» قال: «هذا جميل منك، كلا، لست قلقا.» كان الفجر على أهبة البزوغ، ولم يكن لديه مكان للنوم، ومع ذلك كان يتوثب حيوية ويبدو منتعشا كأنه في بداية الليل.
Bog aan la aqoon