Tajriba Unthawiyya
التجربة الأنثوية: مختارات من الأدب النسائي العالمي
Noocyada
أوه. تامارا! تفجعت على كل قطعة من أشيائك، ندبت المنزل والشارع وضوء المصباح الطازج فوق السهل الذي تنطلقين فوقه، ندبت مدرسة الفروسية وهوارد النحيف، وكل واحد من الجياد التي تحبينها - بلزاك، عيسى، هيروندل ... وصوت القش يتساقط في نعومة، مثل منديل يطوى، الخبب الخفيف لجوادك متجها إلى السهل، الشمس والمطر فوق وحدتي المفاجئة وأنا واقفة إلى جوار الحاجز الخشبي، شاعرة بالفراغ الذي خلفه غيابك حتى اليوم التالي. بكيت على حزني عند اختفائك، كأنما كان اختفاء أبديا، وفي المرات التي تحدثت فيها إلي عن إميلي، بقسوة متعمدة، وعندما تقولين، لغير ما سبب على الإطلاق: «كلا. لن أراك غدا.»
لكن ما أحلى تلك الأحزان التي تلاشت في اليوم التالي بين أحضانك! لأنه كان هناك أيضا ذراعاك، ونوبات غضبك الرقيقة، وجسدك النحيل الفاتر إلى جوار جسدي، واللحظات التي تنتابك فيها فورة من الحنان، فتتحدثين إلي في رقة، وأنت تغطين عيني بيدك، بدافع من إحساس غريب بالخجل. وكان هناك فمك العنيف فوق فمي، ونشوتي ونشوتك. كنت عاجزة عن تقبل فكرة حرمانك من لذتك أكثر من فكرة فقداني أنا للذتي. تذكرت كيف يتلاشى الهدوء المألوف لوجهك فجأة، عندما تومض البسمة فوقه، وتنفرج شفتاك عن أنات رقيقة، لا تكاد تسمع، بينما تنظرين إلي بعينين نصف مغمضتين، كأنك تغرقين في حنان سائل، وأسمع من جديد تلك الصيحة الحميمة، منطلقة من أعماق كيانك، أسمع أصواتا كالهديل تنتهي بعويل، بينما أنيابك الحادة تعض على شفتك الشاحبة، ولا تعودين قادرة على إخفاء نشوتك الخبيثة بل الحيوانية. أجل، كل هذا كان اللب المتأجج، الحريف، الذي يتفطر له القلب .. لب حبي لتامارا .. النار التي أدفأت عقلينا، واخترقنا سخونتها خلال جولاتنا على الأقدام، وأثناء الساعات التي كنا نقضيها سويا في القراءة إلى جوار المدفأة، أو عندما كنا نذهب إلى مدرسة الفروسية - السهل، الصباحات، النهر، المنزل، السماء نفسها ... الجميع تلقوا دفئها. كان النهر سيبقى مجرد نهر، والسماء مجرد سماء، والصباح مجرد صباح، لو لم يغتسل كل منهم في ذلك الضوء المتأجج: وجه تامارا في نشوتها. •••
عشت هذا الجحيم ثلاثة أيام. ادعيت أن الأنفلونزا هي التي ألزمتني الفراش. وجاء أبي لرؤيتي، وقد بدا عليه الانشغال أكثر من المعتاد، فلمس جبهتي وعندما وجدها ملتهبة نصحني باستدعاء الطبيب. رفضت هذا. وفي اليوم الثالث، شعرت بقليل من التحسن، وإذا بحادث يعيدني إلى هوة اليأس. فلكي أبرر بقائي في الفراش، شكوت الأرق، فجاءتني جوليا بفنجان من شاي الليمون المحلى قليلا بطعم الفانيليا. وكانت تامارا، في لحظات رقتها العارضة، تقدم لي شاي الليمون ثم تضيف إليه بعض الفانيليا. وعندما أشربه، كنت أشعر بلذة انتهاك المقدسات؛ لأنه كان يذكرني بما تعده لي جوليا، وهو ما كان يجسد لي راحة الحياة الأسرية. كما كان يبدو لي، وأنا أتناول الفنجان من يدي تامارا، إن حبي القلق، الرعديد، والمشبوب لها، ينضح، بطريقة ما، حبي البنوي لجوليا. وهكذا ما إن أبصرت الفنجان في يد الخادمة وشممت تلك الرائحة، حتى بهت وانفجرت بالبكاء.
تفاقمت حماي، وأعلن أبي أنه لا بد من عرضي على الطبيب في الغد، أحببت ذلك أم لم أحبه. وبالصدفة، نمت جيدا في الليل، وعندما رآني الطبيب في اليوم التالي، منتعشة، فيما عدا قليل من الشحوب، أعلن أني لا أشكو من شيء ذي بال، وأمرني بحزم أن أعود إلى المدرسة وأكف عن التمارض.
صدعت بالأمر، وظللت عدة أيام أجر قدمي من البيت للمدرسة، قائمة بالتفافات سخيفة لأتجنب شارعا أو منزلا قد يذكرني بتامارا. ولم أعد أتمشى في المنتزه أو أقترب من قوارب الميناء. لم أعد أتسكع أمام واجهات الحوانيت، حيث تتملكني الرغبة في آلاف الأشياء: أقنعة المهرجانات، رءوس المغازل، الرخام الملون. لم أعد أقرأ، لم أعد أفعل أي شيء. وإذا جلست إلى المائدة، كنت دائما أكسر كوبا أو طبقا. فإذا ما غادرتها لأحضر منشفة نظيفة، كنت أتعرض للحظة من الشرود، فما إن أصل إلى الدولاب حتى أكون قد نسيت تماما ما أبحث عنه. لم يعلق أبي بشيء، لكنه كان يرقبني في قلق.
في نهاية أحد الأسابيع، لم أعد قادرة على تمالك نفسي، وقررت الذهاب إلى مدرسة الفروسية. كنت آمل أن ألتقي بتامارا، فاقتفيت أثر الطريق الذي تسلكه عادة إلى هناك. لكني لم أبصر سوى بعض العمال فوق دراجاتهم، متجهين في صمت وسرعة إلى أعمالهم، وصوت عجلاتهم يتردد في السكون مثل رفيف أجنحة. هل أقلعت تامارا عن الركوب في الصباح؟ أم اتبعت طريقا أخرى، لتتجنبني؟ بلغت البوابات الدوارة، دفعتها في رفق كي لا أحدث صوتا، كي أرى دون أن يراني أحد. فقد خشيت أن تكون هناك وتراني فتغضب وتعنفني أمام هوارد. لكن البوابة أطلقت صريرا مرعبا، جاء بهوارد نفسه من أحد المرابط بحثا عن السبب.
قال: «أوه، هالو يا مدموازيل!» وبدا لي صوته أقل طبيعية وسماحة من ذي قبل.
قلت متلعثمة: «هل .. هل مدام سولر هنا؟»
تأملني في فضول ثم قال: «كلا .. لا أعرف إذا كانت ستأتي اليوم .. هل تحبين الانتظار؟»
هالتني فكرة المشهد الذي قد يراه الجوكي فقلت: «كلا، كلا.» وهربت في حالة يرثى لها.
Bog aan la aqoon