بقلوب مختلفة، وأيد متعادية. وقد علمتم أنّ الذي بنى عليه الناس، [١٠٨] وجبلت عليه الطباع [١]، حبّ الحياة وبغض الموت، [وأنّ الحرب تباعد من الحياة وتدنى من الموت] [٢]، فلا دفع ولا منع [٣] ولا صبر ولا محاماة مع هذا، إلّا بأحد وجهين: إمّا بنيّة، والنيّة ما لن يقدر على الوالي عند الناس بعد النيّة التي تكون في أوّل الدولة، وإمّا بحسن الأدب وإصابة السياسة.
«واعلموا أنّ بدء ذهاب الدول [٤] من قبل إهمال الرعية بغير أشغال معروفة، ولا أعمال معلومة. فإذا فشى الفراغ [في الناس] [٥]، تولّد منه النظر في الأمور، والفكر في الأصول. فإذا نظروا في ذلك، نظروا فيه بطبائع مختلفة، فتختلف بهم المذاهب، ويتولّد من اختلاف مذاهبهم، تعاديهم وتضاغنهم وتطاعنهم [٦]، وهم في ذلك مجتمعون- في اختلافهم- على بغض الملوك، لأنّ كل صنف منهم إنما يجرى إلى فجيعة الملك بملكه، ولكنهم لا يجدون سلّما إلى ذلك [٧] أوثق من الدين، ولا أكثر أتباعا، ولا أعزّ امتناعا، ولا أشدّ على الناس صبرا [٨] . ثم يتولّد من تعاديهم [١٠٩] أنّ الملك لا يستطيع جمعهم على هوى واحد، فإذا انفرد ببعضهم، فهو عدوّ بقيّتهم، ثم تتولّد من عداوتهم [للملك] [٩] كثرتهم، فإنّ من شأن العامّة الاجتماع على استثقال الولاة والنفاسة [١٠] عليهم. لأنّ في