نعم هذا حدث، لكني أقول لك مع التقدم في السن اكتشفت أن الأدب لا يبدأ بالفكرة، وإنما بالصورة أو الموقف أو بالكلمة التي تهز الإنسان. الفكر يجب أن يكون أشبه بالدم الذي يسري في الكائن الحي، بحيث إنه موجود ولا نراه، مثلما كان يفعل دستوفسكي وتولستوي والمعري الذي ظل شاعرا ولم تفسده الفلسفة، فعبر عن الحس المأسوي بالحياة بلغة في بعض الأحيان تكون مجردة، ولكن لا تشعر أنك أمام فلسفة بل شعر، وذلك ينطبق أيضا على المتنبي. وأول من علمني التفكير بالصورة هو جبران خليل جبران، حين قرأت له الأرواح المتمردة والأجنحة المتكسرة، وأعتقد أنه لا شعر بغير صورة. - على الرغم من البدايات الرومانسية والحياة مع الأدباء، لماذا اخترت الدراسة في قسم الفلسفة؟ - كان من المفترض أن ألتحق بقسم اللغة العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية، ولكن الفضل يرجع إلى د. عبد العزيز المليجي الذي درس لي الفلسفة في المرحلة الثانوية (وفيما بعد أصبح من أبرز علماء علم النفس التحليلي في أمريكا)؛ فقد بهرني وسحرني في قدرته على توصيل رسالته. وفي تلك المرحلة بدأت علاقة حميمة بيني وبين أفلاطون حين قرأت «المحاورات». لقد كان شاعرا أكثر منه منظرا، وهو من الأدباء الفلاسفة، ويقوم في داخله صراع بين المنطق والأسطورة، بين الفلسفة والفن، وفي النهاية عبر عن نفسه في شكل محاورات. وكما قال شيشرون إن هذه المحاورات كانت تمثل أحيانا على خشبة المسرح.
لم أندم على دخولي قسم الفلسفة؛ فقد درس لي زكي نجيب محمود - يوسف مراد - مصطفى حلمي - أحمد فؤاد الأهواني - عبد الرحمن بدوي. وكان بدوي لا يسمح بالحوار أو السؤال، ومع هذا كان في أعماقه طفلا عنيفا متمردا، لكن هذا جزء من فلسفته التي طرحها في الزمان الوجودي، وهو أن يكون الانفصال لا الاتصال بينه وبين الآخرين؛ فهناك دائما فجوة بينه وبين الآخر. كنت أذهب إليه وكان يقرأ باهتمام شديد ما كنت أكتبه آنذاك، ولقد استفدت منه ومن زكي نجيب محمود وكل أساتذتي في تلك المرحلة.
ولم يستطع د. مكاوي أن يقتل الشاعر بداخله في تلك الفترة وأعتقد حتى الآن! فكان يتسلل من قسم الفلسفة إلى قسم اللغة العربية لسماع شوقي ضيف وأمين الخولي وهو يتحدث عن المتنبي، لدرجة أنه قال له: يا ولد، أنت ما جبتش البحث ليه؟ فقال له د. مكاوي: أنا يا مولانا في قسم الفلسفة. فدعاه لحضور ندوة الأمناء، ثم الجمعية الأدبية المصرية والتي كان من بين أعضائها صلاح عبد الصبور وعبد الرحمن فهمي وشكري عياد وعز الدين إسماعيل وفاروق خورشيد، والذين صاروا أصدقاء العمر فيما بعد.
ثم سافر إلى إيطاليا في منحة ثلاثة أشهر لدراسة اللغة الإيطالية، وهناك تقابل والشاعر الإيطالي المصري أونجارتي (حيث ولد وعاش في الإسكندرية إحدى وعشرين سنة)، والذي ترجمه إلى العربية منذ سنوات قليلة، حيث تعلم هناك الإيطالية. ثم جاءت محطة هامة في حياة د. مكاوي، حيث تم تعيينه في دار الكتب في قسم الفهارس، ولم تكن الوظيفة هي الحدث، بل لقاؤه برئيس دار الكتب، وكان «توفيق الحكيم». وسألته: قرأ لك توفيق الحكيم في تلك الفترة قصتين، ونصحك بالابتعاد عن الجامعة والتفرغ لكتابة القصة، فلماذا لم تفعل هذا؟ - ربما لأنني شعرت بالاختناق والملل في دار الكتب، فما أبشع التكرار اليومي في فهرسة الكتب دون قراءتها. وفي تلك الفترة جاءت المنحة إلى ألمانيا بفضل أستاذي الذي رعاني وهو فرتس شتيبات، فدرست في جامعتي فرايبورج وبرلين الحرة، وكانت الدراسة الأساسية هي الفلسفة، أما المساندة فهي الأدب، وهناك تعرفت على عظماء أمثال هيدجر الذي سمعته يحاضر عن اللغة. وإلى جانب الفلسفة درست الأدب الألماني في العصر الكلاسيكي والمعاصر، وهناك تعرفت جيدا على توماس مان وبشنر وجوته وهلدرلين. - وفي طفولتك تعرفت على الأدب الألماني، وقرأت آلام فرتر، ترجمة أحمد حسن الزيات، وفي سن العشرين تعلمت اللغة الألمانية على نفقتك الخاصة، ثم غرقت في ألمانيا في بحور الأدب الألماني والفلسفة أيضا، ثم كانت أطروحتك في جامعة فرايبورج لنيل الدكتوراه هي المحال والتمرد عند الفرنسي ألبير كامي، كيف تفسر ذلك؟ - يبدو الأمر غريبا، ولكني كنت أتمنى أن أقدم هذه الرسالة إلى فرنسا، لكن المنحة جاءتني إلى ألمانيا، وكامي بالنسبة لي نموذج وقدوة للأديب الفيلسوف والمفكر الأخلاقي، وكنت قد درست في جامعة القاهرة على يد أستاذ درس لكامي في الجزائر، وهو جان جرنييه
Jean Grenier ، وكان مهتما بالوجودية، وحدثنا كثيرا عن هيدجر وكارل ياسبرز وكامي الذي درس له، وكنت قد قرأت معظم رواياته ومسرحياته قبل السفر إلى ألمانيا، ولم أجد ممانعة حين اقترحته، وخاصة أنه في أسطورة سيزيف وجه نقدا لاذعا للفلاسفة الألمان أمثال هيدجر وهسرل؛ لأنهم تجاوزوا أسوار المحال، وهو يرى أن الحياة ما هي إلا محال أو عبث. وكان نقد كامي للفلاسفة الألمان جزءا مهما في رسالتي، وهذه كانت أول رسالة بعد رسالة سابقة لها في فرنسا عن فلسفة كامي، وقد حاولت فيها بلورة اللحظات الفلسفية في أدبه من خلال المحال من ناحية وأيضا التمرد، وهما لا ينفصلان، ودائما في حالة جدل. - بعد العودة من البعثة قدمت للقارئ العربي كاتبين من كبار كتاب المسرح الألماني بل والعالمي، وهما جورج بشنر وبرتولد بريشت، وأيضا الشاعر هلدرلين، وكان بريشت ينتمي إلى التعبيرية في بدايته، فلماذا الانحياز لهؤلاء والتعبيرية؟ - أنا أحب التعبيرية، ونحن كعرب نميل دائما إلى المطلقات، ولم نتعلم بعد الاهتمام بالتفاصيل والدقائق إلا قليلا عند نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإدوار الخراط، فما زالت تغلب علينا التعبيرات اللفظية الرنانة المطلقة، وتغيب عنا التفاصيل التي يتعلمها الإنسان من خلال العلم والفن. فعلى سبيل المثال يمكن أن يصف توماس مان أو جونتر جراس بابا أو نافذة في صفحة، أو يصف ملامح وجه في صفحات، ونحن عندنا نكتفي بأن نقول وجه متجهم وكفى، فنحن لم نتعلم بعد كيف نبصر. وكلاهما، بريشت وبشنر، خاضا معارك حقيقية وثورية، وكنت قد بدأت قبل السفر إلى ألمانيا قراءة أشعار بريشت، وبعد أن سافرت ترجمت له عشرين قصيدة، وأرسلتها للدكتور حسين فوزي، ونشرها على الفور في مجلة «المجلة». ومن الطريف أنه عندما تحدد موعد الامتحان كان لا بد من اختيار العصر الكلاسيكي مع الإلمام بالعصر الرومانسي، وبعد مناقشات كثيرة اخترت كافكا وبريشت. - كيف وكلاهما يختلف عن الآخر تماما؟ - نعم، ولكن أحدهما يوافق طبيعتي الانطوائية وهو كافكا بكوابيسه، ولقد أحببت أسلوبه لموضوعي وكأنه أستاذ فيزياء وأديب في آن، على العكس من بريشت فهو بعيد عن الباطن تماما، ومهتم بإيقاظ الوعي والمسرح التعليمي وثورته على الأوضاع القائمة. فالطرفان جزء من طبيعتي الثورية والمحبطة، فتجدني الآن محبطا وغاضبا من كل ما يحدث لنا كعرب، فنحن نذبح مفتوحي الأعين، وفي نفس الوقت نسينا ما يسمى بالغضب، حتى المثقفين لا يمكن تبرئتهم، والشعوب العربية لا حول لها ولا قوة؛ فهي عجينة يمكن أن تتشكل من خلال الساسة. أسأل نفسي كثيرا أين الغضب وخنزير بري مثل شارون يذبح شعبا عربيا. هذا شيء مهين، وأنا كمثقف أشعر بالإهانة. لست من أنصار الثورة الفوضوية لأي غرض، فقط أومن برأي دستوفسكي الذي أكده كامي، وهو أن العالم كله لا يستحق أن يموت من أجله طفل بريء، والعالم العربي أصبح مقبرة جماعية؛ لأننا أصبحنا سماسرة لكل شيء حتى للعلم والفن. نحتاج علما حقيقيا وفنا حقيقيا. - قبل أن نترك جورج بشنر وبريشت لدي بعض الأسئلة، أولها: لماذا قلت في الدراسة التي كتبتها عن بشنر حول مسرحه إنه شقيق الروح؟ - لأنه ثوري محبط مثلي وعدمي. مات ضحية الثورة من أجل الشعب المسكين، وأدان المثقفين الذين يتحدثون عن الحرية والمساواة، في حين لا يجد الفلاح البطاطس ليقتات بها، ولا يجد اللبن لطفله، وكان يقول هؤلاء بعيدون تماما عن الشعب. وهنا أود أن أقول لكي نكون ثوريين بحق لا بد أن نهتم بالبنية التحتية؛ فمن الصعب أن يكون الإنسان ثوريا أو وطنيا وهو لا يمتلك قوت يومه. لا بد من تحقيق أدنى الشروط الإنسانية، ثم نتحدث فيما بعد عن الوطن. وهنا أتذكر ما قاله بشنر وهو على فراش المرض، في رسالة بعث بها إلى صديقه أوجست شتوبر يقول فيها: الظروف السياسية تكاد تصيبني بالجنون. الشعب المسكين يجر في صبر العربة التي يمثل عليها الأمراء وأدعياء التحرر ملهاتهم. - نعود إذن إلى بريشت، وأسأل د. مكاوي الذي قدم بريشت للقارئ العربي: لماذا لاقى مسرحه الملحمي والتعليمي صدى طيبا لدى القارئ والمثقف العربي، وتأثر به الكثير من كتاب المسرح العربي؟ - لأسباب عديدة، منها أن المسرح الملحمي أو السردي قريب من المأثور الشعبي العربي، ولأن بريشت يطرح من خلال المسرح الملحمي والتعليمي شكلا يتيح للكاتب الهروب من المسرح التقليدي، وهذا يعطي للكاتب حرية دون إعفائه بالطبع من المفردات الأخرى مثل الصراع والحدث، كما يعطي فرصة للخروج عن النص، وفرصة للعقل أن يكون نقديا، وكأنه يقول هذا الواقع الذي نراه لا يجب أن نرضى عنه، ويجب أن نثور عليه. - هل حقق بريشت هذا في كل مسرحه؟ - لا أعتقد ذلك. لقد حقق هذا في بعض المسرحيات مثل «الاستثناء والقاعدة» وغيرها، أعود إلى تأثيره على المسرح العربي؛ ربما لحاجتنا لشيء من النقد لظروف حياتنا وعدم الرضا عن واقعنا، وبريشت يلبي هذا. لقد حول الماركسية إلى فن، إلى مسرح، وجعل فلسفته تتخذ ثوب شخصيات مسرحية، وهو الذي تشرد كثيرا في المنافي، وحين عاد إلى ألمانيا كان يسكن في المسرح نفسه الذي كان يطل على مقبرة هيجل، وأوصى أن يدفن إلى جواره، وهذا ما حدث. وكان دائما يقول على الكاتب أن يسأل نفسه، ماذا سيكون رد فعل القارئ على هذه العبارة أو تلك؟ هل ستدفعه إلى تغيير الواقع، أو في أضعف الإيمان تغيير وعيه؟ فإذا كان الرد بالنفي فلا داعي لنشر هذه العبارة. - كتب د. مكاوي العديد من المسرحيات، ومنها: «الانتهازيون لا يدخلون الجنة»، «الموت والمدينة»، «المرحوم»، «الكنز»، «السيد والعبد»، «محاكمة جلجاميش»، «الطفل والفراشة»، وغيرها. وعلى الرغم من أنك قدمت بريشت ودرسته جيدا فلم يتأثر مسرحك به إلا في أحيان قليلة، لماذا؟ - على الكاتب أن يكون نفسه أولا. وربما يرجع هذا إلى حبي للمسرح الكلاسيكي مثل جوته وشيلر. وبالفعل أغرى المسرح الملحمي الكثيرين، مثل عبد الرحمن الشرقاوي وسعد الله ونوس وسعد وهبة ويوسف إدريس وألفريد فرج وغيرهم. وربما يرجع هذا أيضا إلى أنني رجل عاطفي، ومنابعي رومانسية، ولا أستطيع أن أتنكر لها. وأخيرا أنا أعيش في محيط اجتماعي، ولحظة تاريخية مختلفة؛ وبالتالي مسرحياتي ستكون مختلفة. - يبدو أنك لم ولن تتخلى عن الشعر، ويبدو أن شيطان الشعر الذي يسكنك لم ولن يفارقك؛ إذ تجلى هذه المرة في كتاب «ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى عصرنا الحاضر»، والذي كان بمثابة ثورة في الأوساط الثقافية، وخاصة بين الشعراء من خلال الجزء الأول الدراسة والثاني النصوص. ما أرغب في السؤال عنه هو أن ثورة الشعر الحديث في أوروبا ارتبطت بثورات أخرى في شتى مفردات المجتمع، فماذا كنت تتوقع بعد صدور الكتاب للشعر العربي الذي يعيش في واقع مختلف تماما؟ - في أوروبا كلمة التنوير أنتجت عصر التنوير، فحين حدثت ثورة الشعر في أوروبا سبقتها ثورات متعددة الجوانب؛ فمع الثورة الصناعية انهارت أنظمة ميتافيزيقية ومنطقية ودينية، بل وانهار نظام العقل نفسه، وخاصة بعد الحرب الأولى. نعم، حدث تنوير للعقل الأوروبي، وعرف مبادئ الحرية والمساواة، وإذا قارناه بعالمنا العربي سنجد أنه لم تكن لدينا ثورة صناعية، بل مصانع مستعارة، وقس على هذا في كل شيء. وأقول لك إن هناك ثورات شعرية فردية في عالمنا العربي، مثل الجواهري والبردوني والبياتي وصلاح عبد الصبور ومحمود درويش والسياب وغيرهم، لكنها كما ذكرت ثورات فردية. أيضا الاستجابة ضعيفة؛ لأن الأديب العربي يصرخ في البرية، وصوته لا يؤثر في بنية المجتمع، لماذا؟ لأننا دائما نصطدم بسلطة لا تحب التغيير ولا تريده حتى للأفضل ولمصلحتها، وهذا يعكس المصير الذي آل إليه الشعب العربي. - من الفلسفة الإغريقية إلى المثالية الألمانية مرورا بالوجودية، رحلة طويلة ممتعة وشاقة، قطعها د. عبد الغفار مكاوي تلميذا ومعلما وشارحا ومترجما ومحللا، فماذا فعلوا بك وكيف وجدتهم؟ فهل وجدت ثوريا محبطا اعتبرته شقيق روحك مثل بشنر، أو شبيهك مثل هلدرلين؟ - هيراقليطس هو الأقرب إلى قلبي، وأكاد أقول إنه هو نيتشه القرن التاسع عشر، ثم أفلاطون صاحب الشخصيات المتعددة؛ فهناك أفلاطون في محاوراته السقراطية وهي مرحلة الشباب، ثم أفلاطون الوسط والكهولة والشيخوخة؛ فهو نفسه تطور تطورا جدليا، وإذا صح كلام هيدجر عنه تمت على يده النقلة الصعبة من التفكير في حقيقة الوجود إلى العقل؛ أقصد إلى معايير العقل الإنساني الذي أصبح المحك في التمييز بين الصواب والخطأ، على أساس قياس كل شيء ناقص في عالمنا على الأصل وهو المثل. وقد عشقت أفلاطون؛ لأنه يمثل الصراع بين الفلسفة والفن؛ فالفلسفة عنده طريق وليست هدفا نهائيا.
وهناك نيتشه وكانط. أما هيدجر فلا أجد له نظيرا في استيعاب تاريخ الفلسفة، وأقول لك إنني لا أملك قدرة التنظير، فقط التعاطف مع النصوص، وشرحها للطلبة كيف يفهمون أسلوب التحول؛ فالفلسفة فن طرح الأسئلة. وأثناء قراءتي للفلسفة أفكر في تحويلها إلى أعمال فنية، والآن أنا مشغول ببعض القصص عن حياة ومواقف بعض الفلاسفة.
ليس غريبا أن يصف د. مكاوي علاقته بالنصوص الفلسفية بالتعاطف معها، أو التفكير في تحويلها إلى قصص تتناول حياة ومواقف الفلاسفة؛ فهو يعتبر أن الترجمة المبدعة الموفقة نوع من الفعل الصوفي أو التضحية بالذات في سبيل الآخر - وهو النص الأصلي وعالمه - وأنها كما يقول شوبنهور: نوع من تناسخ الأرواح. وسألت د. مكاوي عن المناهج الفلسفية الجديدة، والتي رفض أصحابها إطلاق صفة الفلسفة عليها، مثل البنيوية والتفكيكية وموقفه منه؟
فقال: بكل صدق أحسست أن البنيوية جاءت بعد أن كبرت في السن وتم تكويني، قرأت فيها ولم أتحمس لها. أما التفكيكية فقد راجعت بعض الأبحاث فيها، فوجدت أن جاك دريدا ربما يكون أديبا، ولكن بالنسبة لي فهو مخرب. وأنا لست ضد معرفة أي إنسان، ولكن علينا أن نحكم عقلنا النقدي. - سؤال قديم جدا، ولكن لا بد أن أسأله للدكتور مكاوي عن الفلسفة العربية التي لفظت أنفاسها الأخيرة في كتاب تهافت التهافت، فلماذا كان ابن رشد آخر الفلاسفة؟ - إغلاق باب الاجتهاد، وانهيار الدولة الإسلامية إلى دويلات، كان له التأثير الأكبر. وأنا لست مع هذا الرأي الوارد في سؤالك، فمن يسأل هذا السؤال يتوقع أو يتخيل فيلسوفا كبيرا بالمعنى الشامل، وهذا انتهى مع هيجل؛ فهذا النوع من الأنساق الشاملة لم يعد مطلوبا أو ممكنا، ولدينا اجتهادات كثيرة، فهناك فؤاد زكريا وزكي نجيب محمود وعبد الرحمن بدوي والجابري والحبابي والعالم وغيرهم. - في ظل هذه الأوضاع كيف ترى مستقبل الثقافة العربية؟ - البداية الحقيقية أن نؤمن بضرورة الثقافة وأنها مسئوليتنا جميعا، وليست ديكورا أو ضوضاء ومؤتمرات كما يقولون ويفعلون أيضا. إنها عطش حقيقي وجوع حقيقي للحرية، والعدل والثقافة هي طوق النجاة الوحيد.
وأخيرا سألته: من هو الإنسان؟
قال لي: هذا سؤال الأسئلة. الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يقاوم الموت بكل أشكاله، وهو الذي يواجهه الموت بكل أشكاله المختلفة، فيتحداه ويؤكد مجد الحياة والعقل والحرية بما يبنيه من حضارة، وما يبدعه من فن وأدب، وكأنه كائن يتحدى الموت دائما، أو كأنه يقول للوجود إذا كنت سأنتهي للعدم فلست عدما، وسأترك بعدي ما يدل على وجودي.
Bog aan la aqoon