حسب الأديب في الشرق نعوتا تكال له كيل الحشف، فهو الأديب الفاضل والشاعر البليغ والكاتب البارع واللوذعي والألمعي وغير ذلك، وليت هذه النعوت تجبى لمن تصدق فيه، أو فيمن تكاد تصدق فيه، ولكنه مشارك فيها مشاركة الغبن، أهل البلدة كلهم أدباء فضلاء بلغاء فصحاء، ما سلم من ذلك ملك ولا سوقة، وأظن هذه هي المساواة التي يطلبها مجانين الدستور لا المساواة في الحقوق التي يثني عليها أهل الإنصاف.
ألا من مبلغ عني كل أديب في الشرق أنه أديب، وأنه فاضل وأنه لوذعي وأنه ألمعي وأنه فصيح وأنه بليغ، وأنه عند الناس وجوده مثل عدمه، وأنه أهون على أمراء الذهب من ديك من ديكة الهند أو من حمامة من حمائم اليمن.
كنت ذات يوم راجعا من دار البريد وفي يدي سيكارة هي أخرى أخواتها، فمر بجانبي رجل يسرع في مشيته فاستطارها من يدي حتى وقعت على الأرض، وكان اليوم شديد الهاجرة لافح الحر، فلما توسطت الشارع رأيت عربة نظيفة فيها رجل من رعاع القوم وأمامه اثنان من الإوز، ثلاث رفقة في خير عربة يقودها جوادان مطهمان، فرفعت طرفي إلى السماء وقلت: يا رب تلهمني الشعر، وتجري يراعي بما يستطيع من النثر، وتجعل عبادك يدعونني بالأديب إن صدقا وإن كذبا، ثم أرى أني أحقر من الإوز في هذا الشرق! ثم انصرفت صابرا.
هذا ميدان واسع، يتعب الجائل في أرجائه، ولولا حقوق للأدب وأهله ما سطرتها، ثلاثة إخوان، مكروب ودفينان، أما الرثاء فبعض ما يجب، ولن يفوتني ما استطعت منه، وأما النحيب فإني سوف أنتحب، فمن لي بمن يساجلني الدمع ويشاركني في الشكاية، أما إنا لمظلومون.
الفصل الثامن
ويل للناس من الناس
يريد الناس في الدنيا هناء
ويأبى أن يجود به الزمان
حياة حاربتهم منذ كانت
وحظ حاربوه منذ كانوا
Bog aan la aqoon