سبحان من قلده مفاتيح البلاغة ومكنه من نواصي المعجزات.
لولا مخافة التهمة بالحسد لنافست حافظا في هذه البدائع، وهيهات أن ينافس فيها!
ليت حافظا كان رضي من نعمة القلم بمكانه من البلاغة والفصاحة وترك ما دون ذلك لغيره من عشاق الشهرة، إذن يظل كالهندواني العضب لم يغش صفحته الصدأ، ولم تتغلب على حقه صورة الباطل، وليته ترفع عن مدائح الناس وضن بمجد لسانه أن يذال إذا يظل كأولئك الذين في الغرب خفضت لهم الرءوس ودانت الرقاب، وتضاءل عند مجدهم مجد المتوجين من العباد.
الناس في حاجة إلى الصفاء والوداد، وكلاهما في حاجة إلى أن يترنم به الشاعر ذو القافية المظفرة كحافظ وغيره.
ولو وقف حافظ عن يميني، «وغيره» عن شمالي ونازلنا جنود التعصب لشردناها عن ديارها ولأخذنا أعلامها ورجعنا بأسلابها.
يا حافظ، يا حافظ، ما إلى المزيد من الشهرة سبيل، ولا لفضلك مكابر، ولكنك تجعل نفسك في غير موضعها، دع السياسة إن لم تكن فيها رشيدا، ودع المدائح، إن في أسلافك من أعجزك وأعجزني، ادع إلى الإخاء يحفظ لك النيل ذلك ويشهد لك به الهرمان، ولا تنكر لغرض خيرا أتى، كذا ينبغي أن يكون كبار الرجال.
التجاريب مفاتيح الأمور، والمريض لا يستطيع أن يكتب أكثر من هذا، وعفو القارئين أعظم من عجز العاجزين.
الفصل السادس
نعم الجدود ولكن بئس من تركوا
يقول أناس إن كتاب التاريخ يحصي الحسنات ويحصي السيئات، كذبوا. ما يحصي إلا بمقدار ثم ينسى الطيب وينسى الخبيث إلى أن تهيج الشجون لسانا ناطقا ويراعا ماضيا فيذكر أولي الألباب، يا عقول ويا قلوب، لشد ما تتغلب عندك الأضداد من الحق والباطل فتتعاورك الشبهات ويصعب عليك القول الفصل، والدرهم والدينار، لعن الله الدرهم والدينار، يطلبان مكامن الحرص أو منافذ الأهواء. الشرق مقتول بأسياف بنيه، مجده مجده، نهب مقسم بين عداته، وورثة معاليه وخزنة مفاخره بين سكرات الصبا وبين آلام الحسرات، ألا إلى الله المشتكى. قلوب أماتها الدهر فلا يبعثها مناد مسمع ولا مستغيث مسترحم، ولا داع إلى مكرمة ولا مرشد إلى محمدة، ما خطبك يا أيتها النفوس؟ ماذا دهاك يا غرائز؟ وما بك يا طباع؟
Bog aan la aqoon