1
الفصل الرابع
الأحرار وأعداؤهم
قال قيس بن زهير:
إذا أنت أقررت الظلامة لامرئ
رماك بأخرى شعبها متفاقم
فلا تبد للأعداء إلا خشونة
فما لك منهم إن تمكن راحم
لله أبوه! ما أصدق قوله، وما أعرفه بمواضع الرأي! إن طوائف المتعصبين الذين أجفلوا من سيف الحرية وأظهروا الرضاء بالانقلاب العثماني يصدق فيهم هذا الكلام، لقد خفضوا لنا أجنحة الذلة وأبدوا جانب الاستكانة رهبا لا رغبا، والظلم كمين في نفوسهم يخمد الضعف جذوته وتلهب القوة جمرته، ولو أمكنتهم الغرة لاقتحموا إلينا الأهوال ولأخذونا من نواصينا ولجرونا على بطاح الأرض جر المحتطب حزم الوقود، كل ما تتحرك به ألسنتهم من قول لين يخرج من قلوب استوطنها الجبن، وتوجبه عزائم استولى عليها الخور، يكذبوننا المودة ويحتفرون لنا القبور، يد قد بسطت بالضراعة، وأخرى في قائم العضب ومقلة مسبلة بدمع كاذب، وأخرى تتحرى مواضع الأسلاب، هذا هو الود الذي مزقه التخالف وتحاول أن ترفعه الحاجة، باءوا بإثم الغواية كما استقلوا بخزي النفاق.
أقام عبد الحميد بصرحه الممرد ثلاثة وثلاثين عاما، كان كلما أنحى بشفرته على رقبة علت من جوانب ملكه صيحات الصائحين، الله أكبر الله أكبر، وكانت كلما غذت الوالدات أطفالهن ناداهم أولئك الأبرار: أسمنوا ضحاياكم. وكان الملك الأحمر بين أقطاع الضعاف من رعاياه تتساقط حوله الذبائح والمنابر تهتز بالأدعية والمدائح. قالوا في تمجيده: ظل الله في أرضه، وسلطان البرين والبحرين، وخادم الحرمين الشريفين، باني الكون، المتصف بصفات الملائكة، من عتبته بمنزلة الأفلاك، وقالوا في الدعاء له اللهم أطل في العز أيامه وحكم سيوفه في رقاب أعدائه ، وانصر عساكره وامدده بجنود من ملائكتك. ورعاياه المذبوحون يسمعون وهم في آخر كل دعاء يقولون بفم رجل واحد آمين اللهم آمين، مولين وجوههم شطر القبلة شاخصة أبصارهم مبسوطة أكفهم، ونحن نقول: يا هؤلاء نحن مظلومون، فيقولون: أنتم كاذبون بل أنتم معتدون. وما فتئت الأمة المسكينة يقص زمان عبد الحميد من حواشيها حتى أودى خيارها وبقي شرارها، وهم اليوم يكفرون الباء الملل ويحاولون أن يستعيدوا الكرة.
Bog aan la aqoon