كان موريس يمد لها يده بصودا آيس كريم الفانيليا. «تغوصين في أحلام اليقظة مجددا يا كاسي؛ أي أحد سيظن أنك مدمنة كوكايين.» باسمة وبعينين وامضتين، أخذت الصودا، وكان هو يشرب الكوكا كولا. قالت: «شكرا.» لعقت بشفتين مضمومتين قليلا من الآيس كريم. «أوه يا موريس، إنه لذيذ.»
غاص المسار بين البقع المستديرة للمصابيح القوسية في الظلام. عبر الأضواء المائلة والظلال الواكزة أتت رائحة أوراق الشجر المغبرة، والعشب المدوس بالأقدام، ومن حين لآخر نفحة من رائحة منعشة من التربة الرطبة أسفل الجنبات.
هتفت كاسي: «أوه، أحب الأجواء في المتنزه.» كتمت تجشؤا. «أتعلم يا موريس، كان ينبغي ألا أتناول ذلك الآيس كريم. إنه يصيبني دائما بالغازات.»
لم ينبس موريس. وضع ذراعه حولها وقربها بشدة منه حتى يحك فخذه فخذها أثناء سيرهما. «إذن لقد مات بيربونت مورجان ... ليته ترك لي بضعة ملايين.» «أوه يا موريس، ألن يكون هذا رائعا؟ أين سنعيش؟ في سنترال بارك ساوث.» وقفا ينظران للخلف على وميض اللافتات الكهربائية الذي أتى من دوار كولومبوس. إلى اليسار كان بإمكانهما رؤية الأضواء المسدلة عليها الستائر في نوافذ المباني السكنية ذات الواجهات البيضاء. نظر خلسة يمينا ويسارا ثم أهداها قبلة. عوجت فمها وأبعدته من أسفل فمه.
همست لاهثة: «لا ... قد يرانا أحد.» كان شيء كالمولد يطن ويطن بالداخل. «لقد احتفظت بالأمر يا موريس لأخبرك به. أظن أن جولدوايزر سيعطيني دورا مميزا في العرض التالي. إنه مدير المسرح للشركة الجوالة الثانية وله نفوذ كبير لدى الشركة. لقد رآني وأنا أرقص بالأمس.» «وماذا قال؟» «قال إنه سيرتب لي لقاء مع الرئيس الكبير يوم الإثنين ... أوه ولكن يا موريس ليس هذا الشيء الذي أريد فعله؛ إنه مبتذل وبشع ... أريد أن أقدم أشياء جميلة. أشعر بأن لدي شيئا بداخلي، شيئا لا أعرف له اسما يخفق بداخلي، طائرا جميل الريش في قفص حديدي فظيع.» «هذه هي مشكلتك، لن تتقدمي أبدا؛ فأنت آنفة للغاية.» نظرت لأعلى إليه بعينين تفيضان بالدمع تلألأتا في الضوء الأبيض المغبر للمصباح القوسي. «أوه، لا تبكي أرجوك. لم أقصد شيئا.» «أنا لست آنفة معك يا موريس، أليس كذلك؟» تنشقت ومسحت عينيها. «أنت كذلك بعض الشيء، وذلك ما يؤلمني. فأنا أحب أن تدللني فتاتي الصغيرة وأن تغازلني قليلا. الحياة يا كاسي ليست كلها متعة ومرحا.» عندما كانا يسيران متقاربين بشدة شعرا بصخر أسفل أقدامهما. كانا فوق تلة صغيرة من الجرانيت برزت منها الجنبات من جميع النواحي. ومضت في وجهيهما الأضواء الآتية من المباني المطوقة في نهاية المتنزه. تباعد كل منهما ممسكا بيد الآخر. «انظري إلى تلك الفتاة الصهباء بالأعلى في شارع 105 ... أراهن أنها لن تكون آنفة عندما تكون مع شاب وحدهما.» «إنها امرأة مروعة، إنها لا تبالي بسمعتها ... أوه، أظن أنك بشع.» أجهشت بالبكاء مجددا.
سحبها نحوه بقوة، مقربا إياها منه بصلابة بيديه المبسوطتين على ظهرها. شعرت بساقيها ترتجفان وخارت قواها. كانت تتساقط عبر مهاو متداخلة الألوان من الضعف. لم يتركها فمه تلتقط أنفاسها.
همس منتزعا نفسه بعيدا عنها: «انتبهي.» سارا متعثرين في المسار عبر الجنبات. «لا أظنه كذلك.» «ما هو يا موريس؟» «شرطي. يا إلهي، تبا لا يوجد مكان نذهب إليه. ألا يمكننا أن نذهب إلى غرفتك؟» «ولكنهم سيروننا جميعا يا موريس.» «ومن يبالي؟ فالجميع يفعل هذا في ذلك المنزل.» «أوه، أكرهك عندما تتحدث بهذه الطريقة ... فالحب الحقيقي شيء نقي تماما وجميل ... أنت لا تحبني يا موريس.» «كفي عن انتقادي، ألا يمكنك فعل ذلك يا كاسي لدقيقة ...؟ اللعنة، إنه الجحيم أن يكون المرء مفلسا.»
جلسا على مقعد في الضوء. كانت السيارات خلفهما تنزلق بسير مهسهس منتظم في مجريين بمحاذاة الطريق. وضعت يدها على ركبته وغطاها بيده البدينة القصيرة والكبيرة. «أشعر يا موريس أننا سنكون سعداء للغاية من الآن، أشعر بذلك. ستجد وظيفة جيدة، أثق في ذلك.» «ليست لدي ثقة كبيرة في الأمر ... لم أعد صغير السن كما كنت يا كاسي. ليس لدي أي وقت لأضيعه.» «عجبا، بل أنت في عنفوان الشباب، أنت لم تتعد الخامسة والثلاثين يا موريس ... وأنا أظن أن شيئا رائعا سيحدث. سأحصل على فرصة للرقص.» «ينبغي أن تكسبي أكثر مما تكسبه تلك الصهباء.» «إلين أوجليثورب ... إنها لا تكسب الكثير. ولكني أختلف عنها. فأنا لا يعنيني المال؛ بل أريد أن أعيش من أجل الرقص.» «أنا أريد المال. بمجرد حصولك على المال يمكنك أن تفعلي ما تشائين.» «ولكن يا موريس ألا تعتقد أنه بإمكانك فعل أي شيء بمجرد أن لديك الإرادة الكافية له؟ أنا أومن بذلك.» أحاط خصرها بذراعه الفارغة. رويدا رويدا تركت رأسها يسقط على كتفه. همست بشفتين جافتين: «أوه، لا أبالي.» انزلقت خلفهما سيارات الليموزين، والسيارات الخفيفة، والسيارات ذات البابين، وسيارات الصالون؛ بمحاذاة الطريق مع وميض أنوار أفعواني يركض في مجريين متواصلين متدفقين. •••
انبعث من الصوف البني رائحة كرات العثة عندما طوته. انحنت لتضعه في الصندوق ؛ فحفت طبقة من المناديل الورقية بالأسفل عندما ساوت التجاعيد بيدها. كان ضوء الشمس البنفسجي الأول خارج النافذة يزيد مصباح الضوء الكهربائي احمرارا كعين مؤرقة. اعتدلت إلين فجأة ووقفت متيبسة وذراعاها في جانبيها، وتورد وجهها. قالت: «الوضع متدن للغاية حقا.» فردت منشفة فوق الفساتين وكومت فرشا، ومرآة يد، وشباشب، وقمصانا، وصناديق المساحيق في غير نظام فوقها. ثم أغلقت بقوة غطاء الصندوق، وأحكمت غلقه ثم وضعت المفاتيح في محفظتها المسطحة من جلد التمساح. وقفت تنظر مذهولة في أنحاء الغرفة وهي تمص ظفرا مكسورا. كان ضوء الشمس الأصفر يغمر بانحراف قدور المداخن والأفاريز في المنازل بالجهة المقابلة للشارع. وجدت نفسها تحدق في الحروف البيضاء «إيه. تي. أوه.» في طرف صندوقها. قالت مجددا: «كل شيء متدن للغاية على نحو مثير للاشمئزاز.» ثم أمسكت بمبرد أظافر من فوق المنضدة وكشطت الحرف أوه، وهمست مطقطقة أصابعها: «مرحى.» وبعد أن ارتدت قبعة سوداء صغيرة على شكل دلو وغطاء وجه؛ كي لا يرى الناس أنها كانت تبكي، جمعت الكثير من الكتب: «مواجهة الشباب»، و«هكذا تكلم زرادشت»، و«الحمار الذهبي»، و«محادثات تخيلية»، و«أفروديت»، و«أغاني بيليتس»، و«كتاب أكسفورد للقصائد الفرنسية» في شال حريري وربطتها معا.
كان ثمة نقر خفيف على الباب. همست: «من الطارق؟»
Bog aan la aqoon