صافح بود يده بهزة متخشبة، ثم سار متثاقلا وأربطة حذائه ترفرف حول قدميه إلى الباب ونزل الدرج الملطخ بالبصاق.
توقف القطار، وكانت ثمة رياح باردة تحمل رائحة الأخشاب والعشب تعكر الشوارع المغسولة بتموجات من الوحل. في المطعم السريع بساحة تشاتام، جلس ثلاثة رجال ناعسين وقبعاتهم فوق أعينهم. كان الرجل خلف الركن يقرأ ورقة وردية خاصة برياضة ما. انتظر بود طلبه طويلا. شعر بالهدوء، وبصفاء البال، وبالسعادة. عندما أتى الطعام، تناول خليط اللحم بالذرة المحمر الوجه، واستمتع بترو بكل قضمة، داهسا قطع البطاطس الهشة بلسانه على أسنانه بين رشفات من القهوة الكثيرة السكر. بعدما مسح الطبق بكسرة خبز، أخذ خلال أسنان وخرج.
سار مسلكا أسنانه عبر المدخل المظلم القذر إلى جسر بروكلين. كان هناك رجل يرتدي قبعة دربية ويدخن سيجارا في منتصف النفق الواسع. مر به بود سائرا في تباه راسخ. لا يعنيني؛ فليتبعني. كان ممر المشاة المقوس فارغا إلا من شرطي وقف متثائبا وناظرا لأعلى إلى السماء. كان الأمر أشبه بالسير وسط النجوم. بالأسفل على كلا الاتجاهين، استدقت الشوارع فأصبحت كالصفوف المرقطة بالأنوار بين المباني المربعة السوداء النوافذ. تلألأ النهر بالأسفل كمجرة درب التبانة بالأعلى. بهدوء ورقة، تسللت حزمة ضوء زورق قطر عبر الظلمة الرطبة. أصدرت سيارة صوت أزيز عبر الجسر مصلصلة العوارض وجاعلة خيوط العناكب فوق الكابلات تطن كآلة بانجو تهتز.
عندما وصل إلى موضع تشابك عوارض السكة الحديدية المرتفع لجانب جسر بروكلين ، رجع للخلف بمحاذاة الممر الجنوبي. لا يهمني أين سأذهب؛ فلا يمكنني الذهاب إلى أي مكان الآن. بدأ جانب من ضوء الليلة الزرقاء يتوهج خلفه كما يبدأ الحديد في التوهج بالمصهر. خلف المداخن السوداء وصفوف الأسقف، كانت تلمع الخطوط العريضة الوردية الخافتة لمباني وسط المدينة. كانت الظلمة جلها تزداد تلألؤا ودفئا. جميعهم محققون يطاردونني، جميعهم، الرجال في القبعات الدربية، والمشردون في شارع بويري، والنساء العجائز في المطابخ، وأصحاب الحانات، وقائدو عربات الترام، وضخام البنية، والمومسات، والبحارة، وعمال تحميل السفن، والرجال في وكالات التوظيف ... ظن أنني سأخبره بمكان لفافة الرجل الهرم، ذلك الوغد المقمل ... لقد خدعته. لقد خدعت جميع المحققين الملاعين. كان النهر هادئا، أملس بصفحة مياه أشبه بالفولاذ الأزرق. لا يهمني أين سأذهب؛ فلا يمكنني الذهاب إلى أي مكان الآن. كانت الظلال بين أرصفة الميناء والمباني غبارية كزهرة الغسيل الزرقاء. هدبت الصواري النهر؛ فتصاعد الدخان في الضوء أرجوانيا، وبنيا كالشوكولاتة، وورديا كاللحم. لا يمكنني الذهاب إلى أي مكان الآن.
في حلة ذات ذيل بسلسلة ساعة ذهبية وخاتم منقوش أحمر، ركب العربة ذاهبا إلى زفافه بجوار ماريا ساكيت، استقل العربة إلى دار البلدية يجرها أربعة خيول بيضاء ليعينه الحاكم عضو مجلس محلي، وأصبح الضوء خلفه أكثر سطوعا، ركب العربة مرتديا الساتان والحرير إلى زفافه، ركب كدمية وردية محشوة في عربة بيضاء وماريا ساكيت بجواره، ومرا عبر صفوف من رجال يلوحون بالسيجار، وينحنون، ويخلعون قبعاتهم الدربية، ركب بود عضو المجلس المحلي عربة مليئة بالألماس بجوار عروسه صاحبة المليون دولار ... يجلس بود على قضيب الجسر. سطعت الشمس خلف بروكلين. وتوهجت نوافذ مانهاتن. يهز نفسه للأمام، وينزلق، ويتدلى من إحدى يديه والشمس في عينيه. علقت الصرخة في حلقه وهو يسقط.
جلس ماكافوي قبطان زورق القطر «برودنس» في مقصورة القيادة واضعا إحدى يديه على عجلة القيادة. وفي اليد الأخرى حمل قطعة من البسكويت كان قد غطسها لتوه في كوب من القهوة وضعه فوق الرف بجوار صندوق البوصلة. كان رجلا حسن الهيئة كثيف شعر الحاجبين والشارب الأسود المثبت الطرفين. كاد يضع قطعة البسكويت المغطسة في القهوة في فمه عندما سقط شيء أسود وارتطم بالماء بطرطشة مكتومة على بعد بضع ياردات من مقدمة الزورق. في اللحظة ذاتها، صاح رجل مخرجا جسمه من باب غرفة المحرك: «قفز رجل لتوه من فوق الجسر.»
قال القبطان ماكافوي مسقطا قطعة البسكويت ومديرا عجلة القيادة: «اللعنة.» ضرب جزر قوي القارب كما لو كان قشة. صلصلت ثلاثة أجراس في غرفة المحرك. ركض زنجي أماما إلى مقدمة الزورق بعقافة قوارب.
صاح القبطان ماكافوي: «فلتساعدنا هنا يا ريد.»
بعد صراع، وضعوا شيئا واهنا أسود وطويلا على سطح الزورق. رن جرس واحد. ثم رن جرسان، وأدار القبطان ماكافوي وهو عابس ومجهد أنف الزورق في اتجاه التيار مرة أخرى.
سأل بصوت أجش: «هل به حياة يا ريد؟» كان وجه الزنجي أخضر، وكانت أسنانه تصطك.
Bog aan la aqoon