أصدر المصعد همهمة وهو يرتفع. تقف ناظرة إلى نفسها في المرآة الصغيرة. شعرت فجأة بشيء متهور يبعث على المرح. تزيل الغبار عن وجهها بمنديل ملفوف، وتبتسم لعامل المصعد الذي بادرها بابتسامة عريضة كعرض لوحة مفاتيح كاملة لآلة بيانو، وتسرع بخفة إلى باب الشقة الذي تفتحه خادمة ترتدي ثيابا مزركشة. تفوح بداخلها رائحة الشاي، والفراء، والزهور، وتغرد أصوات النساء مع قرقعة الكئوس كما تغرد الطيور في أقفاصها. تتردد الأبصار حول رأسها وهي تدخل الغرفة.
كان هناك نبيذ مسكوب على مفرش المائدة وقطع من صلصة الطماطم من الاسباجيتي. كان المطعم مشبعا بالبخار، ويتمتع بإطلالة على خليج نابولي، وطلاء حسائي القوام باللونين الأزرق والأخضر على الجدران. رجعت إلين في كرسيها إلى المائدة المستديرة المليئة بالشباب، الذين كانوا يشاهدون الدخان يتجعد من سيجارتها ملتفا حول زجاجة نبيذ الكيانتي أمامها. ذابت مهملة في صحنها كتلة من الآيس كريم ثلاثي الألوان. «ولكن يا إلهي، أليس للمرء بعض الحقوق؟ بلى، فهذه الحضارة الصناعية تجبرنا على السعي لتعديل كامل للحكومة والحياة الاجتماعية ...»
همست إلين لهيرف الذي جلس بجانبه. «ألا يستخدم كلمات طويلة؟»
رد عليها بصوت هادر: «إنه على حق بالرغم من ذلك ... النتيجة هي وضع المزيد من القوة في أيدي قلة من الرجال أكثر مما كان عليه الأمر في تاريخ العالم منذ حضارات العبيد البشعة في مصر وبلاد ما بين النهرين ...» «أجل، أجل.» «كلا، أنا جاد فيما أقول ... الطريقة الوحيدة لمقاومة تلك المصالح هي أن يقوم العمال، البروليتاريا، المنتجون والمستهلكون، أيا ما أردت أن تسميهم، بتشكيل النقابات، وأن يصبحوا في النهاية منظمين جيدا بالقدر الذي يمكنهم من تولي الحكم بأكمله.» «أظنك مخطئا تماما يا مارتن، إنها المصالح كما تسميها، هؤلاء الرأسماليون المروعون، هم الذين بنوا هذا البلد كما هو عليه اليوم.» «حسنا، انظر إليها بالله عليك ... هذا ما أقوله. إنني لا أرضى بها مأوى لكلب.» «لا أظن ذلك. أنا معجب بهذا البلد ... إنه الوطن الوحيد الذي حصلت عليه ... وأعتقد أن كل هذه الجماهير المضطهدة تريد حقا أن تكون مضطهدة؛ فهم لا يصلحون لأي شيء آخر ... لو لم يكونوا كذلك لأصبحوا رجال أعمال مزدهرين ... أولئك الذين لديهم أي ميزة في طريقهم إلى ذلك.» «لكنني لا أظن أن رجل الأعمال المزدهر هو المثل الأعلى للمسعى البشري.» «ولكنه أفضل بكثير من المحرض الفوضوي المغسول الدماغ ... أولئك الذين ليسوا محتالين هم مجانين.» «اسمع يا ميد، لقد أسأت لتوك لشيء لا تفهمه، شيء لا تعرف عنه شيئا ... ينبغي أن تحاول فهم الأشياء قبل أن تشرع في إهانتها.» «إنه لمن الإهانة للذكاء كل هذا الهراء الاشتراكي.»
نقرت إلين على كم هيرف. «جيمي، يجب أن أعود إلى المنزل. هل تريد أن تتمشى قليلا معي؟» «مارتن، هلا دفعت لنا؟ علينا أن نذهب ... تبدين شاحبة للغاية يا إيلي.» «الجو حار قليلا هنا فحسب ... هيه، يا لها من راحة! ... إنني أكره المجادلات أيا ما كانت. لا يمكنني مطلقا التفكير في أي شيء أقوله.» «تلك المجموعة لا تفعل شيئا سوى الثرثرة ليلة بعد أخرى.»
كانت الجادة الثامنة ممتلئة بالضباب الذي علق في حناجرهم. كانت الأضواء خافتة عبرها، ولاحت الوجوه في الأفق، متلألئة في صورة ظلية وباهتة كسمكة في حوض سمك موحل. «أتشعرين بتحسن يا إيلي؟» «كثيرا.» «أنا سعيد للغاية.» «هل تعلم أنك الشخص الوحيد هنا الذي يناديني إيلي. إنني أحب ذلك ... يحاول الجميع أن يجعلني أبدو كبيرة للغاية منذ أن بدأت العمل بالمسرح.» «كان ستان يناديك به.»
قالت بصوت خافت قليلا كبكاء يسمع في الليل من بعيد على طول شاطئ: «ربما هذا هو سبب حبي للاسم.»
شعر جيمي بشيء يطبق على حلقه. قال: «يا إلهي، الأوضاع سيئة للغاية. يا إلهي، ليتني أستطيع أن ألقي باللوم كله على الرأسمالية كما يفعل مارتن.» «إنها لتمشية ممتعة ... إنني أحب الضباب.»
سارا دون أن ينبسا بكلمة. قعقعت العجلات عبر الضباب الخافت الذي يخفي تحته من بعيد في النهر صافرات الإنذار وصافرات الزوارق البخارية المتجمعة ذات الخوار.
قال هيرف عند ناصية شارع 14، وأمسك بذراعها أثناء عبورهما: «لكنك على الأقل لديك مهنة ... أنت تحبين عملك، كما أنك قد حققت نجاحا كبيرا.» «لا تقل ذلك ... أنت لا تصدق ذلك حقا. أنا لا أخدع نفسي كما تعتقد أنني أفعل.» «لا، ولكن هكذا هو الأمر.» «كنت كذلك قبل أن ألتقي بستان، قبل أن أحبه ... كما ترى فقد كنت طفلة صغيرة مجنونة مهووسة بالمسرح زج بها في أشياء كثيرة لم أفهمها قبل أن يتسنى لي الوقت لأتعلم أي شيء عن الحياة ... تزوجت في عمر الثامنة عشرة وطلقت في الثانية والعشرين، رقم قياسي رائع ... لكن ستان كان رائعا للغاية ...» «أعلم.» «دون أن يقول أي شيء قط، جعلني أشعر بوجود أشياء أخرى ... أشياء لا تصدق ...» «يا إلهي، يغيظني جنونه على الرغم من ذلك ... يا لها من خسارة!» «لا أستطيع التحدث في الأمر.» «دعينا لا نتحدث فيه.» «أنت يا جيمي الشخص الوحيد المتبقي الذي يمكنني التحدث إليه حقا.» «لا تثقي بي. فقد أغضب عليك أيضا يوما ما.»
Bog aan la aqoon