قال توني هانتر لاهثا بعد بضع دقائق: «أنت لا تحبني، أليس كذلك؟»
أبطأ هيرف من وتيرته. «عجبا، أنا لا أعرفك جيدا. تبدو لي شخصا لطيفا للغاية ...» «لا تكذب؛ فليس ثمة سبب يجعلك تحبني ... أعتقد أنني سأقتل نفسي الليلة.» «بحق السماء! لا تفعل ذلك ... ما الأمر؟» «ليس لديك الحق في أن تقول لي ألا أقتل نفسي. أنت لا تعرف شيئا عني. لو كنت امرأة لما كنت غير مبال إلى هذه الدرجة.» «ما الذي يؤرقك؟» «أصاب بالجنون، هذا ما في الأمر، كل شيء مروع للغاية. عندما قابلتك أول مرة مع روث ذات مساء اعتقدت أننا سنصبح صديقين يا هيرف. لقد بدوت متعاطفا ومتفهما للغاية ... ظننتك مثلي، ولكنك الآن أصبحت قاسيا للغاية.» «أظن السبب هو مشكلاتي مع صحيفة «نيويورك تايمز» ... سأطرد قريبا، لا تشغل بالك.» «لقد سئمت من كوني فقيرا؛ أريد أن أحقق نجاحا.» «حسنا، ما زلت صغيرا بعد؛ لا بد أنك أصغر مني.» لم يجبه توني.
كانا يسيران في جادة واسعة بين صفين من المنازل الخشبية المسودة. مرت عربة ترام طويلة وصفراء مهسهسة ومصرصرة. «يا إلهي، لا بد أننا في حي فلاتبوش.» «ظننتك مثلي يا هيرف، لكنني لا أراك الآن مطلقا سوى مع بعض النساء.» «ماذا تعني؟» «لم أخبر أحدا في العالم قط ... أستحلفك ألا تخبر أحدا ... عندما كنت طفلا، كنت شبقا بفظاعة، عندما كنت في العاشرة، أو الحادية عشرة، أو الثالثة عشرة من عمري تقريبا.» كان يبكي. عندما مرا أسفل أحد المصابيح القوسية، التقط جيمي ترقرق الدموع على وجنتيه. «ما كنت لأخبرك بهذا إن لم أكن مخمورا.» «لكن أشياء من هذا القبيل حدثت للجميع تقريبا في طفولتهم ... لا داعي للقلق بشأن ذلك.» «لكنني على هذا النحو الآن، وهذا هو المروع للغاية. لا أستطيع أن أحب النساء. لقد حاولت وحاولت ... كما ترى فقد ألقي القبض علي. كنت أشعر بالخجل الشديد ولم أذهب إلى المدرسة لأسابيع. بكت والدتي كثيرا. إنني أشعر بالخجل الشديد. وأنا خائف للغاية من أن يكتشف الناس الأمر. أنا أجاهد دائما من أجل إبقاء الأمر سرا، من أجل إخفاء مشاعري.» «ولكن الأمر برمته قد لا يتعدى كونه مجرد فكرة. قد تتمكن من تجاوزها. فلتذهب إلى محلل نفسي.» «لا أستطيع التحدث إلى أحد. فقط الليلة لأنني مخمور. لقد حاولت البحث عن الأمر في الموسوعة ... إنه ليس في القاموس حتى.» توقف واستند إلى عمود إنارة ووجهه بين يديه. «إنه ليس في القاموس حتى.»
ربت جيمي هيرف على ظهره. «ابتهج أرجوك. هناك الكثير من الناس في مثل حالتك. العالم مليء بهم.» «أنا أكرههم جميعا ... ليس أمثال هؤلاء من أقع في حبهم. أنا أكره نفسي. وأفترض أنك ستكرهني بعد هذه الليلة.» «ما هذا الهراء؟ إن الأمر ليس من شأني.» «الآن تعرف لما أريد أن أقتل نفسي ... أوه، هذا ليس عدلا يا هيرف، هذا ليس عدلا ... لم يحالفني الحظ في حياتي. بدأت في كسب رزقي بمجرد أن أنهيت المدرسة الثانوية. فقد اعتدت العمل خادما في الفنادق الصيفية. عاشت والدتي في ليكوود وكنت أرسل لها كل ما أكسبه. لقد عملت بجد للوصول إلى ما أنا عليه الآن. لو كان قد عرف أمري، لو كان قد ذاعت ثمة فضيحة وعرف كل شيء، لكنت قد تدمرت.» «لكن الجميع يقول ذلك عن الممثلين الشباب ولا يشغل أي منهم باله بما يقولون.» «عندما أفشل في الحصول على أحد الأدوار، أظن أن هذا هو السبب. إنني أكره وأحتقر كل هذه النوعية من الرجال ... لا أريد أن أعمل عملا آخر. أريد أن أمثل. أوه هذا جحيم ... هذا جحيم.» «لكنك تتدرب الآن على أحد الأدوار، أليس كذلك؟» «إنه عرض أحمق لن يتجاوز ستامفورد مطلقا. إذن عندما تسمع أنني قد قمت بالأمر فلن تتفاجأ.» «قمت بماذا؟» «قتلت نفسي.»
سارا دون أن ينبسا بكلمة. بدأت السماء تمطر. وفي الشارع خلف المنازل المنخفضة على شكل علب الأحذية ذات اللون الأسود المخضر كان ثمة برق مختلج كعثات متوردة. هبت رائحة رطبة مغبرة من الأسفلت الذي ضربته القطرات الكبيرة المنهمرة. «لا بد أن تكون هناك محطة مترو أنفاق قريبة ... أليس هذا ضوءا أزرق هنا؟ لنسرع وإلا فسنبتل.» «أوه بحق الجحيم يا توني لا يهمني إن تبللت أم لا.» خلع جيمي قبعته اللبادية وأرجحها بيد واحدة. كانت قطرات المطر باردة على جبهته، ورائحة المطر، والأسطح، والطين، والأسفلت أخذت من فمه المذاق اللاذع للويسكي والسجائر.
صرخ فجأة: «يا إلهي، هذا مروع.» «ماذا؟» «كل هذه الجلبة حول الجنس . لم أكن أدرك الأمر قبل هذه الليلة، كل هذا الكم من العذاب. يا إلهي، لا بد أنك قد مررت بأوقات عصيبة ... كلنا مررنا بأوقات عصيبة. في حالتك الأمر مجرد حظ، حظ سيئ شيطاني. كان مارتن يقول: كل شيء سيكون أفضل بكثير إذا دق الجرس فجأة وأخبر الجميع الجميع بصراحة بما فعلوه في حياتهم، كيف عاشوا، وكيف أحبوا. إن إخفاء الأمور هو ما يجعلها تفسد. بربي إنه لأمر مروع. وكأن الحياة لم تكن صعبة بما فيه الكفاية من دون ذلك.» «حسنا، سأذهب إلى محطة مترو الأنفاق هذه.» «سيكون عليك انتظار القطار لساعات.» «لا أتحمل، فأنا متعب ولا أريد أن أتبلل.» «حسنا ليلة سعيدة.» «ليلة سعيدة يا هيرف.»
هبت نوبة هائجة طويلة من قصف رعدي. وبدأت السماء تمطر بغزارة. ضغط جيمي قبعته على رأسه وسحب ياقة معطفه لأعلى. أراد أن يركض على طول الطريق صارخا ولاعنا بأعلى صوته. ومض البرق على طول الصفوف المحدقة للنوافذ الفارغة. اضطرب المطر على طول الأرصفة، أمام نوافذ المتاجر، وعلى البلاطات الحجرية البنية. كانت ركبتاه مبتلتين، وتتدفق قطرات بطيئة فوق ظهره، وكانت ثمة شلالات باردة تقطر من كميه على معصميه، كان يشعر بالحكة والوخز في كامل جسده. واصل السير عبر بروكلين. تستحوذ على عقله صورة كل سرير في جميع غرف النوم التي في حجم بيوت الحمام، حيث النائمون المتشابكون والملتوون والمختنقون كجذور النباتات المستحوذة على أصصها. وتستحوذ على عقله أصوات الأقدام المصرصرة فوق سلالم النزل، والأيدي المتلمسة طريقها عند مقابض الأبواب. تستحوذ على عقله صورة الأصداغ الطارقة والأبدان الوحيدة المتيبسة في أسرتها.
لقد طفت العالم ثلاث مرات
لتحي الدماء، لتحي الدماء ...
أنا يا سيدي مناصر للفوضوية ... «ودارت سفينتنا الشجاعة ثلاث مرات، ودارت ثلاث مرات» ... اللعنة بين ذلك والمال ... «وغرقت في قاع البحر» ... إننا ندور في حلقة مفرغة من أجل تحقيق العدالة.
Bog aan la aqoon