266

Hoos Udgoonka Qur'aanka

تحت راية القرآن

Daabacaha

المكتبة العصرية-صيدا

Goobta Daabacaadda

بيروت

ومتى كان العلم يبحث في الأديان على أنه علم؛ وكيف له أن يبحث فيها
وهو مقصور بطبيعته وتحديد هذه الطبيعة على ما يدخل في "باب الأدلة الحسية، ولا وسائل له إلا وسائل الحس المعروفة من البحث والاستقراء والمقابلة والاستنباط، دون ما يتصل بالمعاني العقلية المحضة مما هو نظري فلسفي كالمعاني التي يرجع إليها الدين؛ إنه ليس بعلم ما يجاوز تلك الحدود المسورة بأسوار البحث والامتحان بحيث لا تخرج منه النتيجة الصريحة التي برهانها الحس واليقين دون الظن والجدل.
وما العلم في حقيقته إلا سؤال هذا الكون الغامض بالوسائل التي يستطيع
الإنسان أن يسأله بها، ثم تَلقي الجوابِ منه بالطريقة التي تجيب بها الطبيعة من
إظهار منافعها ومضارها وعللها ونواميسها، وهذا الإنسان لا وسيلة له فيما وراء عقله، فلن يستطيع أن يسأل الكون من ذلك عن شيء، وإن هو سأل كما ترى من بعض الملحدين الذين ينتحلون العلم انتحالًا فإن الطبيعة لن تجيبه بشيء، إذ كان السؤال لا ينتهي إليها بالطريقة التي تستخرج منها جوابًا أو تقتضيها عملًا.
ومن أجل ذلك لم تكن أمثال هذه الأسئلة الإلحادية إلا اضطرابًا في عقول
أصحابها أو تعنتًا منهم على الأديان وأهلها، وما هي من العلم ولا هو منها في سبب ولا غاية، فقول طه مثلًا إن قصة بناء الكعبة خرافة، وإن إبراهيم
وإسماعيل شخصان وهميان - لا يُعد علمًا، بل حمق محض؛ فإذا اعتذر منه
بالعلم أضاف إلى حمقه جهلًا، فإذا أصر على قوله واعتذاره زاد على الجهل
والحمق الغفلة!
إن فرقًا بعيدًا بين النظرين العلمي والعقلي، فللمذهب العلمي طرق ممهدة
إلى غايات بعينها قد انتهت إليها هذه الطرق، أو طرق أخرى لا تزال تُمهد
ولكنها لا تتأدى إلا لمثل تلك الغايات، فهو حركة تدفعها الإرادة وتحددها
وتصرفها، أما المذهب العقلي فبينما هو يمشي إذا هو يطير إذا هو ينساح كما ينساح الضوء، فلا ضابط له إلا من جهة كونه كلامًا معقولًا أو غير معقول، وقد يكون هذا المذهب في بعض الناس هو انتظار المذهب، لأنهم مذبذبون لا يستقرون على شيء، وقد يكون هو الشك في كل مذهب، وقد يكون في نقض مذهب معروف، وكل هذا من تفاوت قوى العقل لا من تفاوت قوى العلم، كما ترى من التباين بين غير المحدود وبين المحدود وقد كان عند أسلافنا من علماء الكلام تعبير لغوي بديع يمثل لك المذهب العقلي كله، فيقولون: إن فلانًا يتكلم في هذه المسألة على البور والنظر، وهو يبورها وينظر فيها: إذا كان

1 / 270