دعانا إلى جولة في المدينة؛ زرنا المستشفى، تجولنا في أحياء ردتنا بقدرة قادر إلى أزقة القاهرة وحاراتها القديمة . شاهدنا دكاكين حافلة بسلع من جميع أنحاء المعمورة، طالعتنا وجوه صامتة مغلقة غامضة، لا ينظرون نحونا، وإذا نظروا لم يرونا. - يا حضرة القائد .. أهم يكرهوننا؟ - كلا يا أستاذ، ولكننا في عز وقت التخزين.
أجل .. إنه القات! الدنيا تنساب في حلم كبير يرفرف فوق المدينة، ولم نعد إلا أشباحا لا حقيقة لها. وثمة تاجر مستلق على أريكة أمام دكان سأله القائد عن مكان ما، ولكنه لم يبد حراكا، ولم ينبس بكلمة .. ما فعل إلا أن رفع يده ببطء شديد مشيرا نحو المكان، كأنما هي صورة متحركة مصورة بالتصوير البطيء، أما ظاهر الرجل اليمني فيتلخص في لحية وخنجر وبندقية. والتجول بين الحوانيت مثير للغاية، وكان مدعاة للتساؤل عن بدل السفر ومتى يصل. وقال القائد: ستجدون في صنعاء سلعا أطرف وأجمل، أما تعز فحدث عنها.
ولفتت الأنظار الحقائب والأقمشة، ثم احتكرتها الهرمونات والمقويات. وتسلل من القائد إلى النفوس إعجاب ودود، تضاعف عندما دعانا إلى العشاء في مقر القيادة اليمنية، اجتمعنا هناك بكهول وشبان من اليمن، منهم من يرتدي البدلة، ومنهم من يرتدي الزي الوطني. تبادلنا الأحاديث عن الحرب والثورة والتاريخ والأدب. كشفت الروح اليمنية عن كنوزها؛ فاستعدنا شعورنا بالأنس والألفة، وتفتحت قلوبنا بلا حدود. وملت نحو زميل هامسا: أشعر كأنما رأيت هذا المكان من قبل.
فرد علي هازئا: هذه نتيجة عقدة نفسية سأحدثك عنها فيما بعد.
وضعت الموائد حول بركة كانت مسبحا للجواري ذات يوم. وعزفت لنا جوقة موسيقية وغنى لنا مهرج الإمام. وقال لنا القائد ونحن عائدون: ستبيتون الليلة في الباخرة، وغدا صباحا تذهبون إلى صنعاء.
وتساءلنا عن وسيلة المواصلات، فقال: ثمة طريق جديدة شقها الصينيون في الجبل، تقطعها السيارة في ثماني ساعات، وسوف ترافقكم قوة مسلحة.
ولدى سماع هذه العبارة الأخيرة ساورنا القلق، وسأله سائل: وما الداعي لمرافقة القوة المسلحة لنا؟
فأجاب مواريا ابتسامة: تعرضت الطريق لهجمة عدوانية فاشلة منذ أسابيع.
وأكثر من صوت قال في نفس واحد: حدثنا يا قائد عن وسيلة مواصلات أخرى.
فضحك ضحكة عظيمة، وقال: ستأخذون الطيارة ، وستصل بكم في ساعة أو أقل.
Bog aan la aqoon