187

Xorriyadda iyo Iftiiminta

التحرير والتنوير

Daabacaha

الدار التونسية للنشر

Goobta Daabacaadda

تونس

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ دُعَاءَهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَجَازِ مَعْنَاهُ وَيَكُونُ دُعَاؤُهُ ذَلِكَ اقْتِبَاسًا مِنَ الْآيَةِ وَلَيْسَ عَيْنَ الْمُرَادِ مِنَ الْآيَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا طَلَبُ الْحُصُولِ بِالْمَزِيدِ مَعَ طَلَبِ الدَّوَامِ بِطَرِيقَةِ الِالْتِزَامِ وَلَا مَحَالَةَ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْآيَةِ هُوَ طَلَبُ الْهِدَايَةِ الْكَامِلَةِ.
وَالصِّرَاطُ الطَّرِيقُ وَهُوَ بِالصَّادِ وبالسين وَقد قرىء بِهِمَا فِي الْمَشْهُورَةِ وَكَذَلِكَ نَطَقَتْ بِهِ بِالسِّينِ جُمْهُورُ الْعَرَبِ إِلَّا أَهْلَ الْحِجَازِ نَطَقُوهُ بِالصَّادِ مُبْدَلَةً عَنِ السِّينِ لِقَصْدِ التَّخْفِيفِ فِي الِانْتِقَالِ مِنَ السِّينِ إِلَى الرَّاءِ ثُمَّ إِلَى الطَّاءِ قَالَ فِي «لَطَائِفِ الْإِشَارَاتِ» عَنِ الْجَعْبَرِيِّ إِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي كُلِّ سِينٍ بَعْدَهَا غَيْنٌ أَوْ خَاءٌ أَوْ قَافٌ أَوْ طَاءٌ وَإِنَّمَا قَلَبُوهَا هُنَا صَادًا لِتُطَابِقَ الطَّاءَ فِي الْإِطْبَاقِ وَالِاسْتِعْلَاءِ وَالتَّفَخُّمِ مَعَ الرَّاءِ اسْتِثْقَالًا لِلِانْتِقَالِ مِنْ سُفْلٍ إِلَى عُلُوٍّ اهـ.
أَيْ بِخِلَافِ الْعَكْسِ نَحْوَ طَسْتٍ لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَمَلٌ وَالثَّانِي تَرْكٌ. وَقَيْسٌ قَلَبُوا السِّينَ بَيْنَ الصَّادِ وَالزَّايِ وَهُوَ إِشْمَامٌ وَقَرَأَ بِهِ حَمْزَةُ فِي رِوَايَةِ خَلَفٍ عَنْهُ. وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ قَلَبَ السِّينَ زَايًا خَالِصَةً قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَهِيَ لُغَةُ عُذْرَةَ وَكَلْبٍ وَبَنِي الْقَيْنِ وَهِيَ مَرْجُوحَةٌ وَلَمْ يُقْرَأْ بِهَا، وَقَدْ قَرَأَ بِاللُّغَةِ الْفُصْحَى (بِالصَّادِ) جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ وَقَرَأَ بِالسِّينِ ابْنُ كَثِيرٍ فِي رِوَايَةِ قُنْبُلٍ، وَالْقِرَاءَةُ بِالصَّادِ هِيَ الرَّاجِحَةُ لِمُوَافَقَتِهَا رَسْمَ الْمُصْحَفِ وَكَوْنِهَا اللُّغَةَ الْفُصْحَى.
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ بِالصَّادِ وَقَرَأَهَا بَعْضُ الْقُرَّاءِ بِالسِّينِ؟ قُلْتُ إِنَّ الصَّحَابَةَ كَتَبُوهَا بِالصَّادِ تَنْبِيهًا عَلَى الْأَفْصَحِ فِيهَا، لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ وَاعْتَمَدُوا عَلَى عِلْمِ الْعَرَب فَالَّذِينَ قرأوا بِالسِّينِ تَأَوَّلُوا أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَتْرُكُوا لُغَةَ السِّينِ لِلْعِلْمِ بِهَا فَعَادَلُوا الْأَفْصَحَ بِالْأَصْلِ وَلَوْ كَتَبُوهَا بِالسِّينِ مَعَ أَنَّهَا الْأَصْلُ لَتَوَهَّمَ النَّاسُ عَدَمَ جَوَازِ الْعُدُولِ عَنْهُ
لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْمَرْسُومُ كَمَا كَتَبُوا الْمُصَيْطِرَ بِالصَّادِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ أَصْلَهُ السِّينُ فَهَذَا مِمَّا يَرْجِعُ الْخِلَافُ فِيهِ إِلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَدَاءِ اللَّفْظِ لَا فِي مَادَّةِ اللَّفْظِ لِشُهْرَةِ اخْتِلَافِ لَهَجَاتِ الْقَبَائِلِ فِي لَفْظٍ مَعَ اتِّحَادِهِ عِنْدَهُمْ.
وَالصِّرَاطُ اسْمٌ عَرَبِيٌّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ مُعَرَّبٌ وَلَكِنْ ذُكِرَ فِي «الْإِتْقَانِ» عَنِ النَّقَّاشِ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ الطَّرِيقُ بِلُغَةِ الرُّومِ وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا حَاتِمٍ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ «الزِّينَةِ» لَهُ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ السُّيُوطِيُّ فَزَادَهُ فِي «مَنْظُومَتِهِ فِي الْمُعَرَّبِ» .
وَالصِّرَاطُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُسْتَعَارٌ لِمَعْنَى الْحَقِّ الَّذِي يَبْلُغُ بِهِ مُدْرِكُهُ إِلَى الْفَوْزِ بِرِضَاءِ اللَّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَوْزَ هُوَ الَّذِي جَاءَ الْإِسْلَامُ بِطَلَبِهِ.

1 / 190