178

Xorriyadda iyo Iftiiminta

التحرير والتنوير

Daabacaha

الدار التونسية للنشر

Goobta Daabacaadda

تونس

أَنَّهَا لَيْسَتْ كَامِلَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ غَيْرُ اللَّهِ. الثَّالِثَةُ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ لِكَوْنِهِ إِلَهًا خَالِقًا مُسْتَحِقًّا لِلْعِبَادَةِ وَكَوْنِهِ هُوَ عَبْدًا لَهُ، وَهَذِهِ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْعُبُودِيَّةِ» اهـ.
قُلْتُ وَلَمْ يُسَمِّ الْإِمَامُ الْمَرْتَبَةَ الثَّالِثَةَ بِاسْمٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُلْحَقَةٌ فِي الِاسْمِ بِالْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ أَعْنِي الْعُبُودِيَّةَ لِأَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ سِينَا قَالَ فِي «الْإِشَارَاتِ»: «الْعَارِفُ يُرِيدُ الْحَقَّ لَا لِشَيْءٍ غَيْرِهِ وَلَا يُؤْثِرُ شَيْئًا عَلَى عِرْفَانِهِ وَتَعَبُّدُهُ لَهُ فَقَطْ وَلِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِبَادَةِ وَلِأَنَّهَا نِسْبَةٌ شَرِيفَةٌ إِلَيْهِ لَا لِرَغْبَةٍ أَوْ رَهْبَةٍ» اهـ فَجَعَلَهُمَا حَالَةً وَاحِدَةً.
وَمَا ادَّعَاهُ الْفَخْرُ فِي سُقُوطِ الدَّرَجَةِ الْأُولَى وَنُزُولِ مَرْتَبَتِهَا قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ فِيهِ اصْطِلَاحُ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ وَإِلَّا فَإِنَّ الْعِبَادَةَ لِلطَّمَعِ وَالْخَوْفِ هِيَ الَّتِي دَعَا إِلَيْهَا الْإِسْلَامُ فِي سَائِرِ إِرْشَادِهِ، وَهِيَ الَّتِي عَلَيْهَا جُمْهُورُ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ غَايَةُ التَّكْلِيفِ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر: ٢٨] فَإِنْ بَلَغَ الْمُكَلَّفُ إِلَى الْمُرَتَّبَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَذَلِكَ فَضْلٌ عَظِيمٌ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ مُلَاحَظَةِ الْخَوْفِ وَالطَّمَعِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ، نَعَمْ إِنَّ أَفَاضِلَ الْأُمَّةِ مُتَفَاوِتُونَ فِي الِاحْتِيَاجِ إِلَى التَّخْوِيفِ وَالْإِطْمَاعِ بِمِقْدَارِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْعِلْمِ بِأَسْرَارِ التَّكْلِيفِ وَمَصَالِحِهِ وَتَفَاوُتِهِمْ فِي التَّمَكُّنِ مِنْ مُغَالَبَةِ نُفُوسِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا
مَحِيصَ لَهُمْ عَنِ الرُّجُوعِ إِلَى الْخَوْفِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ وَالطَّمَعِ فِي أَحْوَالٍ أَكْثَرَ. وَأَعْظَمُ دَلِيلٍ عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ فِي كِتَابِهِ الْمُتَّقِينَ فِي مَوَاضِعَ جَمَّةٍ وَدَعَا إِلَى التَّقْوَى، وَهَلِ التَّقْوَى إِلَّا كَاسْمِهِمَا بِمَعْنَى الْخَوْفِ وَالِاتِّقَاءِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُورًا [الْإِسْرَاء: ٥٧] . وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ هِيَ الَّتِي أَشَارَ لَهَا
قَوْلُهُ ﷺ لِمَنْ قَالَ لَهُ كَيْفَ تُجْهِدُ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ وَقَدْ غَفَرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ:- «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»
لِأَنَّ مِنَ الظَّاهِرِ أَنَّ الشُّكْرَ هُنَا عَلَى نِعْمَةٍ قَدْ حَصَلَتْ فَلَيْسَ فِيهِ حَظٌّ لِلنَّفْسِ بِالطَّمَعِ فِي الْمَزِيدِ لِأَنَّ الْغُفْرَانَ الْعَامَّ قَدْ حَصَلَ لَهُ فَصَارَ الشُّكْرُ لِأَجْلِ الْمَشْكُورِ لَا غَيْرَ وَتَمَحَّضَ أَنَّهُ لَا لِخَوْفٍ وَلَا طَمَعٍ (١) .

(١) كَأَنَّهُمْ اصْطَلحُوا على أَن الْعُبُودِيَّة أبلغ من الْعِبَادَة لما فِيهَا من النّسَب لِأَن الْأَوْصَاف الَّتِي تلحقها يَاء النّسَب يقْصد مِنْهَا الْمُبَالغَة فِي الوصفية وَذَلِكَ للْجمع بَين طريقي توصيف فَإِن صِيغَة الْوَصْف تفِيد التوصيف وَصِيغَة النّسَب كَذَلِك وَلِهَذَا كَانَ قَوْلهم أسحمي أبلغ من أسحم، ولحياني أبلغ من لحيان فالعبودية مصدر من هَذَا النَّوْع. وَاعْلَم أَن كَون الشُّكْر يشْتَمل على حَظّ للمشكور قد تقرر فِي بحث الْحَمْدُ إِذْ بَينا أَن الْحَمد وَالشُّكْر تَزْيِين للعرض الْمَحْمُود والمشكور لقَوْل النَّابِغَة:
شكرت لَك النعمى
الْبَيْت.

1 / 181