وإذا كان ثابت المشهود له من الشرع بأنه يموت شهيدا لا يصح أن يفضل على أبي بكر الذي مات على فراشه، فغيره من الشهداء أحرى بذلك.
ولئن كان ثابت من المقربين فليكونن أبو بكر من أعلى المقربين.
فإن قيل: قد جاء في الحديث أن النبي ﵇ قال لشهداء أحد: «هؤلاء أشهد عليهم، فقال له أبو بكر: يا رسول الله ﷺ (١)، ألسنا بإخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا فقال رسول الله ﷺ (٢): بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي» (٣).
وظاهر هذا تفضيل شهداء أحد على أبي بكر وغيره.
فالجواب عن ذلك (٤) من وجهين:
أحدهما: إن هذا الحديث إنما جاء مرسلا عن أبي النضر شيخ مالك بن أنس، وبينه وبين عصر النبي ﵇ قرنان (٥)، ولم يرو مسندا عنه ولا عن غيره.
_________
(١) من (ب).
(٢) من (ب).
(٣) رواه مالك (١٠٠٤) عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أنه بلغه أن رسول الله فذكره.
وهذا سند منقطع أو معضل.
قال ابن عبد البر في التمهيد (٢١/ ٢٢٨): هذا الحديث مرسل هكذا منقطع عند جميع الرواة للموطأ، ولكن معناه يستند من وجوه صحاح كثيرة.
(٤) "عن ذلك" من (ب).
(٥) هو أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله، واسمه سالم بن أبي أمية، توفي سنة ١٣٣، وقيل سنة ١٣٠ وقيل سنة ١٢٩، كما في التمهيد (٢١/ ١٤٥) وتهذيب الكمال (١٠/ ١٢٧) والتاريخ الكبير (٤/ ١١١).
1 / 64