بها، سلمان وأبو الدرداء آخى بينهما النبي ﷺ حين آخى بين المهاجرين والأنصار، وقد ورد دخول سلمان بين أبي الدرداء وأنه وجد أم الدرداء متبذلة وأنه لاَمَ أبا الدرداء على ذلك، وهما من الأربعة الذين شهد لهم معاذ، إذ قال: اطلبوا العلم عند أربعة رَهْط عند: عويمر أبي الدرداء، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام، وباعتبار الشهادة النبوية لأبي الدرداء وسلمان يكون الحوار الذي دار بينهما ملحقًا بالحديث النبوي؛ إذ هو دائر بين الحكمة والعلم المشهود بهما لهما.
وهَلُمَّ: اسم فعل بمعنى أقبل إليَّ، يلازم حالة واحدة فلا يتغير باختلاف المخاطب به من تعدد أو تأنيث، استوفد أبو الدرداء سلمان لمساكنته رغبة في جوار أهل الفضل من الأخلاء؛ لأنهم رهط الرجل الذين يعتضد بهم وهم أنفع إليه من أقاربه المنافرين لشربه، فالعاقل في مواصلة أهل رأيه أرغب منه في مجاورة أهل نسبه، وكذلك يكون الجوار خلة متى جلبه الود والاصطحاب، سئل الحكيم: أي الرجلين أحب إليك أخوك أم صديقك؟ فقال: إنما أحب أخي إذا كان صديقي.
قال أبو الوليد الباجي في المنتقى: «قول أبي الدرداء: أن هَلُمَّ إلى الأرض المقدسة يريد المطهرة، والمقدس في كلام العرب المطهر، وإنما أراد موضعًا من الشام يسمى المقدس، ومنه سمي مسجد إيليا: البيت المقدس، ومعناه: أنه مطهر مما كان فيه غيره من الكفر، وكان ذلك في وقت من الأوقات فلزمه الوصف بذلك، ويحتمل أن يكون معنى تقديسها أنها تطهر من الذنوب والخطايا، فيكون المعنى: المقدس أهله، ويدل على هذا قول سلمان: إن الأرض لا تقدس أحدًا، فيكون إنما وصف أهل بيت المقدس بذلك في زمان عملوا فيه بالطاعة، وكان كثير منهم أنبياء وسائرهم أتباعٌ لهم» ا. هـ.
وأقول: تقديس البقاع مثل تقديس الأوقات هو أمر جعلي من الله تعالى تبعًا لما رسم لها من إيقاع الأعمال الصالحة التي أهمها التوحيد، وقد كان المسجد المقدس ثاني بيت وضع للناس لإعلان توحيد الله وتنزيهه وذلك أساس فضائل الأعمال.
(فكتب إليه سلمان أن الأرض لا تقدس أحدًا) لم يشتمل جواب سلمان على تقرير لما يخالف اعتقاده كالذي تشتمل عليه مخاطبات الناس ورسائلهم من الإطراء لما قد يعتقده المرء فاسدًا بعلة المداهنة التي علق عليها الناس اسم المداراة، فعدموا بذلك فائدة النصيحة والتواصي بالحق؛ ذلك أن سلمان وأمثاله صدقوا ما عاهدوا الله من بذل النصيحة لكل مسلم، وكذلك يكون الأمر بين أقوياء النفوس وراجحي الأحلام
1 / 66