وإقامة الوجه تقويمه، أي: تعديله بتوجيهه قبالة نظرك غير ملتفت يمينًا ولا شمالًا، فالإقامة في هذه الآية تمثيل لحالة التمحض للشغل بشيء بحالة قصر النظر على صوب المقابلة دون التفات إلى يمنة ولا يسْرَة، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [الأعراف: ٢٩]، وقوله حكاية عن إبراهيم ﵇: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٧٩].
والتعريف في قوله: ﴿لِلدِّينِ﴾ تعريف للعهد وهو الدين المعهود للنبي ﷺ وهو الإسلام وهو المعهود للمسلمين الذين تقلدوه.
ووصف ﴿حَنِيفًا﴾ وصف بوزن فعيل وهو مبالغة في الاتصاف بالحنف، والحنف الميل عن شيء، وغلب إطلاق الحنيف على المايل عن الباطل، أي: العادل عن الباطل إلى الحق، فالحنيف الموحد غير المشرك، قال تعالى: ﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، وقد اشتهر وصف إبراهيم ﵇ بالحنيف كما اشتهرت ملة إبراهيم باسم الحنيفية، والتحف عبادة الله وحده دون إشراك واشتهر دين الإسلام بالحنيف؛ لأنه أشد الأديان في قطع دابر الإشراك، قال تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج: ٧٨].
ولذلك فوصف ﴿حَنِيفًا﴾ هنا منصوب على الحال يصح أن يكون حالًا من الضمير المستتر في فعل ﴿فَأَقِمْ﴾، ويصح أن يكون حالًا من الدين على تشبيه الدين الإسلامي في خلوه من شوائب الإشراك برجل تجنب الشرك وعدل عنه، فيكون في صفة (حنيف) تمثيل، وفي إجراء تلك الصفة على الدين استعارة مصرحة، وفي الآية محسن الطباق وهو الجمع بين معنيين متضادين ولو في الجملة؛ وذلك في الجمع بين ﴿فَأَقِمْ﴾ الذي هو من الإقامة والاعتدال وبين ﴿حَنِيفًا﴾ الذي هو في معنى الميل والانحراف.
وأما قوله: ﴿فِطْرَتَ اللهِ﴾ فهو حال من ﴿الدِّينُ﴾ حالًا أولى أو ثانية فإن الحال تتعدد بعاطف وبدون عاطف على التحقيق.
والفطرة مصدر بوزن فعلة مثل الخلقة، يقال: فطر الله الإنسان، أي" خَلقه، ومعنى كون الدين فطرة أن ما يدعو إليه يناسب ما فُطر عليه الإنسان ولا يجافيه
1 / 36