له لثبوت نزوله برؤية الرسول إبراهيم إياه حين نزوله ولتواتر ذلك عن خبره في العرب، والآية الثانية أثر أقدام إبراهيم في الحجر الذي كان يقف عليه وذلك متواتر عند الناس إلى اليوم، ومن المأثور عند العرب قول أبي طالب من قصيدته:
وموطئ إبراهيم في الصخر قائمًا ... على قدميه حافيًا غير ناعل
ومنها: بئر زمزم الذي تواتر عند العرب أن الله فجره لهاجر لما ظمئت وظمئ ولدها إسماعيل، ومنها: أن البيت هو الأثر الوحيد المقطوع بأن إبراهيم أقامه هنالك؛ لأنه لما أقامه أقام له أهله شهداء عليه وتناقلته الأجيال بالتواتر، وهذا لا يوجد في أثر آخر من آثار إبراهيم ﵇ بل كلها قد اندثرت وما تعين موضع بيت المقدس إلا بوحي وخبر.
وإن كانت الظرفية مجازية، فالمعنى أنه يشتمل على دلائل الوحدانية والرسالة بالدلائل المحسوسة التي ذكرناها وبما علمناه مما حدث فيه من المعجزات لإبراهيم وإسماعيل ﵇، ومعجزات محمد ﷺ مثل: شق صدره، والإسراء به، ونزول الوحي عليه، وعصمة الله تعالى إياه من أعدائه، كل ذلك كائن فيه وحواليه، وبما لم نعلمه من المعجزات والأسرار الواقعة فيه بين الله ورسله مما لا يعلمه إلا الله؛ ومن أطلعه من خاصة عباده.
ومن آياته ما جعل له من الحرمة في نفوس الخلق من العرب وغيرهم من سائر الملل فقد حجته الجبابرة من الملوك والأكاسرة وكسته التبابعة وقدسته سائر العرب واحترموا قريشًا؛ لأنهم سدنته وذرية مؤسسه، وقد قال أبو طالب في خطبته: «وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه، وجعلنا الحكام على الناس»، ومنها ما يسر الله لسكانه من الأرزاق بسببه وذلك بمجيء الناس للحج من كل فج عميق، قال الله تعالى: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [المائدة: ٩٧]، وإن من أكبر الآيات فيه للمتهدي أنه مصدر التوحيد والحنيفية، ثم انشقت منه جداول الشرائع. والهدي اشتقاق الجداول من النهر، ثم اجتمعت وأوت إليه في شريعة الإسلام، فعاد النهر إلى مجراه وفي ذلك رمز إلهي إلى أن الدين عند الله هو الإسلام وأنه ابتدأ على يد إبراهيم في مكة كالحبة المزروعة إلى أن آن أوان جناه، فظهر من حيث بدئ ليدل على أن الزرع قد نضج وأن الغرس قد أثمر.
1 / 30