[مقدمة]
3
بسم الله الرحمن الرحيم
قال العبد الفقير إلى الله تعالى أبو بكر الحسين المراغي الشافعي عفا الله عنه (1).
الحمد لله الذي جعل المدينة الشريفة دار هجرة رسوله، وأظهر بها بدر الملة الحنيفية فلا مطمع في أفوله، وسماها طابة وطيبة، لطيب عيشها كثيرة وقليله، وحقق البركة في صاعها ومدها فأكرم بدعوة صفيه وخليله؛ وشرفها بتأصيل نوره الساطع بحجرتها، وجعل ما ضم جسده الشريف أفضل بقاع الأرض بإجماع الأمة (2) وناهيك بحجتها، وخصها بالروضة الشريفة المقدسة والمنبر المشرف مع مضاعفة الصلاة في مسجدها، فالسعيد من التجأ إلى محجتها.
Bogga 3
4
أحمده على أن جعلها مهبط الوحي ومأرز الإيمان (1)، وأشكره على أن جعل فتحها بالقرآن (2)، وأسأله المزيد من نعمه فيها ثم الموت بها وذلك تمام الإحسان، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بركتها في الميزان وأنجو بها من الزيغ والزلل والبهتان، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المخصوص بالبيان، وكتابه بالتبيان، المؤيد بأحياء الأنصار والمهاجرين من عدنان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم ما بقي الفرقدان وتعاقب الملوان.
(وبعد) فان فضل المدينة الشريفة لا ينكر، والقائم بنشر ما طوى من فضائلها ينصر ويشكر.
Bogga 4
ولما كان من أحسن الموضوعات وأجمعها، وأكثرها تحقيقا وأمتعها؛ في الاعلام بمعالمها، وتحصيل دلائلها؛ تاريخ الشيخ الامام 5
الحافظ محب الدين بن النجار الموسوم: ب ((الدرة الثمينة في أخبار المدينة)) وما ذيله الشيخ الإمام الحافظ جمال الدين محمد بن أحمد المطري (1)، وقد حدثني به الإمام شهاب الدين أحمد بن علي بن يوسف بن الحسن إمام مقام الحنفية بمكة المشرفة (2) قال: ثنا الإمام تاج الدين أبو الحسن علي بن أحمد الحسيني العراقي (3).
Bogga 5
قال: ثنا الإمام أبو عبد الله محمد بن النجار (4) وقد حدثني به ولده الإمام 6
Bogga 6
شيخنا أبو السيادة عفيف الدين قال: حدثنا والدي تغمدهما الله وإيانا بفضل رحمته (1)، فهو وان حرر بسبب تأخره ما أهمله ابن النجار من معاهده، قد اخل بكثير من مقاصده؛ فاستخرت الله تعالى في جمع مقاصدهما بحذف الإسناد، مقربا بذلك طريق الأبعاد ؛ تابعا في الغالب لفظ من ذيل مع تحرير عبارة وتنقيح إشارة؛ وقد اثبت في بعض المواضع ما لم يذكراه لاختصاره او غرابته، ليحمل من سلمت جلدته من الحسد على تحصيله بعنايته؛ وضممت إليه من اقتناص سوانح الشوارد، فرائد الفوائد ما عظم عند الخاصة وقعه؛ وربما ألجأ الاختصار والمناسبة إلى تقديم وتأخير، وحذف تطويل وتكرير؛ ليعم العامة نفعه، منها في أول الزيادة بقولي: قيل كذا، أو نقل كذا، او 7
نقل فلان كذا، او ينبغي كذا، وفي آخرها والله اعلم؛ ليكون هذا الفرع لما حواه الأصل جامعا، منفردا بفوائد جليلة لا تجد لها دافعا؛ وسميته:
((تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة))
مستعينا بالله تعالى فيما أردت، آملا من فضله إكماله ملخصا بتحقيق ما قصدت؛ فأسالك اللهم الن تنفعني بالطارف والتليد، وان تلهمني تسديد التمهيد؛ وان تنفع به المسلمين انك خير مسئول، واكرم مامول؛ ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
ورتبته على مقدمة وأربعة أبواب وخاتمة وفي المقدمة فصول:
Bogga 7
8
الفصل الأول في فضل المدينة وفضل سكانها
روينا في الصحيحين في أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب (1) وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد)) (2)، قيل: تأكل القرى لأنها مركز جيوش الإسلام (3)، قال مالك: تفتح القرى لأنها مركز جيوش الإسلام (5)، أو لأن أول الإسلام منها، أو لان أكلها [وميرتها تكون من القرى المفتحة ولان الغنائم كانت تساق إليها والله أعلم] (6).
Bogga 8
9
وفي البخاري عن أبي حميد رضي عليه وسلم قال: ((اقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك حتى أشرفنا على المدينة فقال: هذه طابة)) (1).
وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ان الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها)) (2) قيل: يأرز: ينضم، وقيل: ينقبض والله اعلم.
وفيه عن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تفتح اليمن فياتي قوم يبسون فيتحملون باهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون (4).
قيل: بست الإبل وابسستها: اذا زجرتها وقلت: بس بس، وقيل: البس: السوق اللين، والله اعلم (5).
Bogga 9
10
وفيه عن أبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ (1) سبعة ابواب على كل باب ملكان)) (2).
وفيه عن انس بن مالك رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس من بلد الا سيطؤه الدجال الا مكة والمدينة ليس من نقابها الا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة باهلها ثلاث رجفات فيخرج اليه كل كافر ومنافق)) (3).
وفيه: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما حدثنا به ان قال: ((ياتي الدجال وهو محرم عليه ان يدخل نقاب المدينة ينزل بعض السباخ التي بالمدينة فيخرج اليه يومئذ رجل هو خير الناس، او من خير الناس فيقول: اشهد انك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال: ارايتم ان قتلت هذا ثم احييته اتشكون في الامر؛ فيقولون لا، فيقتله ثم يحييه، فيقول حين يحييه: والله ما كنت قط اشد بصيرة مني اليوم: فيقول الدجال: اقتله فلا يسلط عليه)) (4).
Bogga 10
11
وفيه عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة)) (1).
وعن انس (2): ((ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا قدم من سفر فنظر إلى جدر ان المدينة اوضع راحلته، وان كان على دابة حركها من حبها)) (3).
قيل: اوضع: اسرع (4) والله اعلم.
وفيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما، فكان أبو بكر اذا اخذته الحمى يقول:
كل امرئ مصبح في اهله والموت ادنى من شراك نعله
وكان بلال اذا اقلع عنه (5) يرتفع عقيرته ويقول:
الا ليت شعري هل ابيتن ليلة بواد وحولي اذخر وجليل
Bogga 11
وهل اردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل 12
Bogga 12
اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وامية بن خلف كما اخرجونا من ارضنا إلى ارض الوبا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم حبب الينا المدينة كحبنا مكة او اشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا وصححها لنا، وانقل حماها إلى الجحفة، قالت: وقدمنا المدينة وهي اوبا ارض الله، قالت: فكان بطحان يجري نجلا، يعني ماء آجنا (1)، قيل: رفع عقيرته، اي صوته لان العقيرة الساق كان الذي قطعت رجله رفعه وصاح، ثم قيل لكل من صاح ذلك، حكاه الجوهري (2)، واسم الجحفة: مهيعة، وقيل لها جحفة لان السيل اجحفها، وهي احد المواقيت (3)، زاد ابن زبالة (4): فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ارايت في المنام ان سوداء ردفت خلفي حتى بلغت 13
الجحفة فنزلت بها فاولتها حمى المدينة)) (1).
وفي صحيح البخاري من حديث ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رايت امراة سوداء ثائرة الراس خرجت من المدينة حتى نزلت مهيعة فتاولتها ان وباء المدينة نقل إلى مهيعة)) (2) والله اعلم.
وروينا في صحيح مسلم عن عبد الله بن زيد بن عاصم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ان ابراهيم حرم مكة ودعا لاهلها واني حرمت المدينة كما حرم ابراهيم مكة واني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا به ابراهيم لاهل مكة)) (3).
Bogga 13
وعن نافع بن جبير (4) ان مروان بن الحكم خطب الناس فذكر مكة واهلها وحرمتها، فناداه رافع بن خديج (5) فقال: ما لي اسمعك 14
ذكرت مكة وأهلها وحرمتها ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها (1) قد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لا بتيها (2).
وذلك عندنا في أديم خولاني ان شئت أقرأتكه، قال: فسكت مروان ثم قال: قد سمعت بعض ذلك (3).
ونقل ابن زبالة فقال رافع: أيها المتكلم انك لم تذكر مكة بشيء الا وهي أفضل منه، واني لم أسمعك ذكرت المدينة، وأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المدينة خير من مكة)) (4).
وفي رواية له ولما أمره الله بالهجرة اليها قال: ((اللهم انك أخرجتني من أحب بلادك الي فأسكني في أحب بلادك اليك)) (5) والله أعلم.
Bogga 14
15
وفيه عن عامر بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اني أحرم ما بين لابتي المدينة أ، يقطع عضاهها أو يقتل صيدها)) وقال: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها الا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها (1) وجهدها الا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة)) (2).
وفيه عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثم ذكر الحديث السابق وزاد فيه: ((ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء الا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء)) (3).
وفيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتي المسيح من قبل المشرق وهمته المدينة حتى ينزل دبر أحد ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام وهنالك يهلك)) (4).
Bogga 15
وفيه عن أبي هريرة قال: كان الناس اذا رأوا أول الثمر (5) جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم 16
بارك لنا في ثمرنا (1)، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا.
اللهم ان ابراهيم عبدك وخليك ونبيك وأنا عبدك ونبيك، وانه دعاك لمكة واني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه)).
ثم يدعو أصغر وليد له يراه فيعطيه ذلك الثمر (2).
وينبغي أن نورد ما رواه أيضا من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتي على الناس زمان يدعو الرجل لابن عمه أو قريبه: هلم إلى الرخاء، هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده لا يخرج أحد رغبة عنها الا أخلف الله فيها خيرا منه ...
ألا ان المدينة كالكير يخرج المخبيث (3) لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد)) (4) وفي رواية لابن زبالة: ((أن المدينة تنفي خبث الرجال كما ينفي الكير خبث الحديد)) (5).
Bogga 16
وفي رواية صحيح البخاري في غزوة أحد من حديث 17
زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (انها طيبة تنفي الذنوب كما ينفي الكير خبث الفضة) (1).
وفي رواية: كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها) (2) والله أعلم.
وروى ان النجار (3) عن محمد بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه في قوله تعالى: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) (4) قال: جعل الله تعالى مدخل صدق المدينة، ومخرج صدق مكة، وسلطانا نصيرا الأنصار (5).
Bogga 17
18
ونقل البغوي عن ابن عباس في قوله (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) (1) انها المدينة والله أعلم (2).
وذكر ابن النجار (3) تعليقا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كل البلاد افتتحت بالسيف وافتتحت المدينة بالقرآن (4).
Bogga 18
وروى أيضا عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقبر يحفر فاطلع رجل في القبر فقال: بئس مضجع المؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بئس ما قلت) قال: اني لم أرد هذا يا رسول الله، انما أردت القتل في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا مثل أو لا شبه للقتل في سبيل الله ما على الأرض بقعة هي 19
أحب الي أن يكون قبري بها منها ثلاث مرات) (1).
وبسنده إلى سالم بن عبد الله بن عمر قال: سمعت أبي يقول: اشتد الجهد بالمدينة وغلا السعر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اصبروا يا أهل المدينة وأبشروا فاني قد باركت على صاعكم ومدكم، كلوا جميعا ولا تفرقوا فان طعام الرجل يكفي الاثنين، فمن صبر على لأوائها وشدتها كنت له شفيعا، وكنت له شهيدا يوم القيامة، ومن خرج عنها رغبة عما فيها أبدل الله عز وجل فيها من هو خير منه، ومن بغاها (2) أو كادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء) (3).
Bogga 19
20
ونقل ابن النجار ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: من اخاف اهل المدينة ظلما اخافه الله وعليه لعنة اللة والملائكة والناس اجمعين)) (1).
وفي رواية: ((من اخاف اهلها فقد اخاف ما بين هذين)) ووضع يديه على جنبيه تحت ثدييه (2).
وفي رواية ابن زبالة: ((من اخاف اهل المدينة او ظلمهم اخافه الله يوم الفزع الاكبر وعليه لعنة الله)) الحديث (3) والله اعلم.
Bogga 20
21
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا كنا بالسقيا (1) التي كانت لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ائتوني بوضوء)) فلما توضا قام واستقبل القبلة ثم كبر ثم قال: ((اللهم ان ابراهيم كان عبدك وخليلك دعاك لاهل مكة بالبركة، وانا محمد عبدك ورسولك ادعوك لاهل المدينة ان تبارك لهم في مدهم وصاعهم مثل ما باركت لاهل مكة ومع البركة بركتين)) (2).
Bogga 21
ونقل ايضا من رواية ((احمد)) (3) والله اعلم. وبسند ابن النجار (4) 22
الى معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المدينة مهاجري فيها مضجعي)).
وفي رواية ابن زبالة: ((فيها قبري وفيها مبعثي، حقيق على امتي حفظ جيراني ما اجتنبوا الكبائر، من حفظهم كنت له شهيدا- او شفيعا- يوم القيامة، ومن لم يحفظهم سقي من طينة الخبال)) (1).
سئل المزني عن طينة الخبال قال: عصارة اهل النار (2).
ونقل ابن زبالة عن سعيد ابن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشرف على المدينة فرفع يديه حتى رئي عفرة ابطية ثم قال: ((اللهم من ارادني واهل بلدي بسوء فعجل هلاكه)) (3)، والعفرة (بالعين المهلة والفاء): بياض ليس بالناصع ولكن كلون عفر الارض، وهو وجهها (4) والله اعلم.
Bogga 22