عن المُضِيِّ في غَيِّه دينٌ أَوْ مبدأٌ؛ يقول السّبكيُّ (١): "ولقد سمعت أَنَّ واحدًا منهم (أي: أُمراء المماليك) خَرج مرَّةً إلى الصّيد فافتضَّ هُو ومماليكُه من بناتِ أهل البرِّ ما يزيدُ عَلى سَبْعين بنتًا حَرامًا".
كما أَنَّه ليسَ بمسْتغربٍ أَنْ نجدَ فيه مَن تجرَّع الذّل والهوان، وذاقَ طعمَ الجوع والمرضِ، وعاشَ إِمَّا عالةً عَلى غَيْره مِمَّن يكدحُ من أربابِ المهنِ والصِّناعاتِ، وإِمَّا مُتلصِّصًا يقطعُ الطّريقَ ويسرقُ النَّاس. وظَهر من هذه الشَّريحةِ "من اتّخذَ السُّؤال صنعةً؛ فيَسْألون من غيرِ حاجةٍ، ويقعدون عَلى أَبْواب المَساجد يَشْحذُون من المُصلّين ولا يَدْخلون للصَّلاةَ مَعَهم" (٢).
وفي هذا المجتمع أَقْبل النَّاسُ عَلى الخمرِ، يَشْربونها، ويتفنّون في صُنعها، وكَثُر معاقروها في الطَّبقتين، العليا والدُّنيا؛ ناشدين بذلك الهروبَ من واقعهم المُعاشِ، فهو مُمِلٌّ، مقيتٌ للسَّادة المُتْرفين، ومُؤلِمٌ قاسٍ للضُّعفاءِ والمَعْدمين.
وإذا ما عرضنا لواقعِ المرأةِ فإنَّه في جانبٍ منه يعدُّ أَشدَّ أسىً وحُزنًا؛ إذ احترفت فئاتٌ من النِّساء البِغاء وارتضين العيش منه، كما الْتَمسَ كثيرٌ منهنَّ العملَ بالمغانِي وضروبِ الملاهي كالرَّقص، وأسرفن في التَّشبُّه بالرِّجال حتَّى لبسن العمامَة (٣).
وفي الجانبِ الآخر نجدُ بعضَهنُّ يقررن في بيوتِهن، ويَصْرفن أَنْفسهنَّ
_________
(١) معيد النّعم؛ لتاج الدِّين السّبكيّ: (٥٢).
(٢) المصدر السَّابق: (١٣٦).
(٣) السُّلوك: (١/ ٥٠٣).
1 / 48