٢ - الحالةُ الإجْتماعيّة:
اتضح لنا -فيما مضى- أنَّنا أمامَ عصرٍ قلقٍ، يموجُ بالفتن، ويتَّسمُ بالقَلاقل، ذاقت فيه الأُمَّة الإسلاميّةُ عَلى امتدادِ رقعتها الجُغرافيَّة ويلاتِ الحروب، وصنوفَ العذابِ، وعلى الأَخصِّ بلدان فارس، والعراق، ومصر، والشَّام؛ تلك البلدان الَّتي حفلت -ولو لمدَّة يسيرةٍ- باحتضان شمسِ الدِّين الكرمانيِّ.
وطبيعيٌّ -والحالُ ما ذكرت- أَنْ نجدَ صورةَ ذلك العصرِ ماثلةً في أبنائه، منعكسةً -بصدقٍ- عَلى مناحي حيَاتهم وأمورِ عَيْشهم.
فالنِّظامُ الطَّبقي يبرز واضحًا للعيان، مُتَّخذًا صورًا شتَّى:
١ - منها ما يكونُ بين أجْناسِ الشُّعوبِ المتناحرةِ فيما بينها تبعًا للغلبة، فكلُّ عُنْصر يرى أنّه الأَجْدر بالسِّيادة، والأَولى بعمارةِ الأَرض، وغيرَه لا يستحقُّ إلَّا الرِّقَّ والإذْلال. ويتمثّلُ ذلك بجلاء في هجوم التَّتار الخاطف عَلى حواضِر المسلمين وسلبِ خيراتهم؛ فقد كانوا يَرون أنَّهم أوصياءُ الله عَلى خَلْقِه؛ أرسلهم لتأديب من حلَّ عليهم غضبُه؛ وبذا أفصح هولاكو للقائدِ المظفّر قُطُز عندما أرسلَ إليه رسالةً يهدّده فيها ويأمرُه بالاسْتسلام، يقول (١): "يَعلمُ الملكُ المظفرُ وسائرُ أمراءِ دولتِه وأهل مملكته بالدِّيارِ المصريَّة وما حولها من الأَعْمال أنَّنا جندُ الله في أرضه، خلقنا من سخطِه، وسلَّطنا عَلى من أحل عليه غضبَه؛ فسلموا إلينا أمورَكُم تَسْلموا".
_________
(١) صبح الأعشى في صناعة الإنشا: (٨/ ٦٣).
1 / 45