بارِزَين عُرِفا بالثقافة العَميقَةِ والاطِّلاع الواسع مِمَّا أَعْطى للكِتَابين صِبْغةً جَديدةً تُميِّزهما عَنْ غيرِهما من كُتبِ البلاغةِ الأُخْرى.
فصاحبُ الكتابِ المَشْروح هو / عبدُ الرَّحمن بنُ أحمدَ بنِ عبدِ الغفَّارِ الإِيْجيُّ، المُكنَّى بأبي الفَضْل، والملقب بعضدِ الدِّين، قَاضي القُضَاةِ في زَمَنِه، وشَيخ الشَّافعيَّةِ في بلده.
قال عنهُ الأَسْنويّ في طَبقاتِه (١): "كان إمامًا في عُلُومٍ متعدِّدةٍ، مُحقِّقًا مُدقّقًا ذَا تصانِيف مَشْهورةٍ".
وصاحبُ الكتابِ الشَّارح هو / شمسُ الدِّين؛ محمَّد بنُ يوسفَ الكِرْمَانيّ؛ عالِمٌ ذاعَ صيتُه، وطَارَت بشهرتِه الآفاقُ؛ فقد كان أُصُوليًّا فَقِيهًا مُحَدِّثًا، مُفَسِّرًا مُتكلِّمًا، أَدِيبًا نَحْويًّا، بَيَانيًّا. ومن اتَّصف ببعضِ هذهِ الصِّفات فإِنَّ كتابَه -ولا شكَّ- سَيكونُ ذا شأنٍ عظيمٍ؛ لما سَوف يحويهِ من فَرائدَ ونَفَائِس؛ فكيفَ بمن اتَّصفَ بهذِه الصِّفاتِ كُلِّها؟!.
ثُمَّ إِنٌ الكِرْمَاني تتلمذَ على شيخهِ الإيجيِّ ولازمَه مُدَّةً طويلةً، وقَرَأَ عليه جُلَّ كُتُبه؛ ممَّا جَعَلَه من أخصِّ تلاميذِه، وهذَا بِدَورِه يَجْعَله أَدْرى بمُرَادِه، وأَعْلَمَ بكُتُبِهَ، وقَدْ بَدَا ذلك جَلِيًّا مِنْ خِلالِ كتابهِ "تحقيقِ الفوائدِ الغيَاثيَّة" في أَثْناءِ تَعْلِيقهِ على بَعْضِ القَضَايا؛ حيثُ صرَّح في مَواضِعَ مُتفرِّقةٍ بأَنَّ لشيخِه رأيًا حولَ هذهِ القَضيَّةِ لَمْ يذكُرهُ ويحسنُ بالمقامِ ذِكرهُ فيَذْكره.
٣ - كَونُ "تحقيقِ الفوائدِ" من المَخْطوطاتِ النَّادرةِ الْمُهِمّةِ الَّتي لَمْ تُنشرْ وإِخراجُه يُعدُّ خدمةً جَلِيلةً للتُّراثِ العربيِّ، أمَّا "الفوائدُ الغِياثيَّةُ" فإِنَّه -وإِنْ
_________
(١) أي: طبقات الشّافعيّة: (٢/ ٢٣٨).
1 / 15