مسألة [في التمييز بين الحق والباطل بالأدلة الأربعة]
يقال: بأي شيء يعرف الحق من الباطل ويميز بينهما؟
قلنا: بالأدلة.
فإن قال: فما الأدلة؟
قلنا: أربعة: العقول، والكتاب، والسنة، والإجماع.
فأما العقل فلأنه تعالى خاطب العقلاء واحتج عليهم بما في عقولهم ولأن به نميز بين الحسن والقبيح، وبه نعرف جميع الإستدلاليات.
ويقال لمن أبطل أدلة العقول: ناقضت بدعواك مذهبك؛ لأنك فزعت في إبطال أدلة العقول إلى العقل فإما أن تصححه فتبطل طريقتك، وإما أن تبطله فيبطل استدلالك وتصح أدلة العقول.
ويقال له: بأي شيء يصح أن تعرف كل الأشياء، أتعرف بالعقل أو بالسمع؟ فإن قال: بالعقل، بطل مذهبه، وإن قال: بالسمع.
قلنا: فمذهبك غير منصوص عليه في السمع، وليس في السمع إبطال ما سوى السمع.
وأما الكتاب فلأنه كلام حكيم صادق لا يجوز عليه الكذب فكان حجة.
فإن قيل: بأي شيء عرفتم أنه كلام الله تعالى؟
قلنا: لنا فيه طريقان:
إحداهما: أنا عرفنا بالسبر أنه غير مقدور للبشر فنعلم أنه كلام الله تعالى.
والثاني: بالمعجز عرفنا صدق الرسول وعلم من دينه ضرورة أنه كلام الله تعالى.
فإن قيل: أليس روي أن فيه زيادة ونقصانا؟
قلنا: باطل، فإنه أدي إلينا كما أنزل، وضمن الله تعالى حفظه، وبعد فلو كان شيء زائد ثم نقص لما خفي.
فإن قيل: أليس بعضهم قال فيه ما لا يعرف معناه، وبعضهم قال ظاهر وباطن؟
قلنا: كله باطل، وغرض الحكيم بإنزاله الإفهام، فإن أراد ما وضع له حمل عليه وإن أراد غيره أو كان مجملا أو متشابها بين ونصب الأدلة على مراده.
Bogga 32