وأما الحديث؛ فإنه انفرد به محمد بن إسحاق، وليس هو ممن يحتجّ به في الأحكام (^١)، فكيف أن يُعارَض بحديثه الأحاديث الصحاح أو يُنسَخ به السنن الثابتة؟ مع أن التأويل في حديثه ممكن، والمخرج منه مُعرَض. تم كلامه (^٢).
وهو ــ لو صح ــ حِكايةُ فِعْلٍ لا عمومَ لها، ولا يُعلَم هل كان في فضاء أو بنيان؟ وهل كان لعذر من ضيق مكان ونحوه، أو اختيارًا؟ فكيف يقدّم على النصوص الصحيحة الصريحة بالمنع؟
فإن قيل: فهب أن هذا الحديث معلول، فما يقولون في حديث عِراك عن عائشة: ذُكِر عند رسول الله ﷺ أن ناسًا يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلةَ، فقال رسول الله ﷺ: "أَوَ قَدْ فعلوها؟! استقْبِلوا بمَقْعَدتي القبلة" (^٣).
فالجواب: أن هذا حديثٌ لا يصح، وإنما هو موقوف على عائشة. حكاه الترمذي في كتاب "العلل" (^٤) عن البخاري. وقال بعض الحفاظ: هذا حديث لا يصح، وله علَّة لا يدركها إلا المعتنون بالصناعة، المعانون عليها،
_________
(^١) أسند ابنُ أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (٧/ ١٩٣) عن الإمام أحمد أنه ذكر ابن إسحاق فقال: أما في المغازي وأشباهه فيُكتَب، وأما في الحلال والحرام فيحتاج إلى مثل هذا ــ ومدّ يدَه وضمّ أصابعه.
(^٢) أي كلام ابن مُفَوّز. ومُعْرَض أي: ممكن.
(^٣) أخرجه أحمد (٢٥٠٦٣)، وابن ماجه (٣٢٤)، والدارقطني: (١٦٣، ١٦٨) وغيرهم، من طريق خالد بن أبي الصلت، عن عراك به. وهو حديث ضعيف كما سيأتي من كلام المؤلف.
(^٤) (١/ ٨٨ - ٩٢) ووصفه أيضًا بالاضطراب.
1 / 10