روي أن المسلمين كانوا يقولون: يا رسول الله راعنا، أي اسمع منا، وكانت هذه اللفظة شينا بلغة اليهود، وقيل: كانت عندهم: اسمع، لا سمعت، وقيل: هو إلحاد إلى الرعونة، فلما سمعت اليهود ذلك اغتنموا لها، وكانوا يقولون: راعنا، ويضحكون فيما بينهم، فسمع ذلك سعد بن معاذ، فقال: لئن سمعتها من رجل منكم يقولها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لضربت عنقه، فقالوا: أولستم تقولون ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ومنع المؤمنين من إطلاق هذه اللفظة كيلا يقولها اليهود على وجه الاستهزاء والسب، وهو معنى قول قتادة وعطية، وقيل: كان يهودي يقال له: رفاعة بن زيد هو الذي قال ذلك فنزلت الآية، عن السدي.
* * *
(المعنى)
لما تقدم النهي عن السحر الذي كان عليه اليهود عقبه بالنهي عن إطلاق هذه اللفظة على ما يفعله اليهود، فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا قيل: لا تقولوا هذه اللفظة لكيلا يجد اليهود سبيلا إلى سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقيل: لا تقولوا: اسمع منا ونسمع منك، عن ابن عباس ومجاهد. وقيل: لا تقولوا خلافا، عن عطاء، وقيل: هي كلمة كانت الأنصار تقولها في الجاهلية، فنهوا عنها في الإسلام، وقيل: لما لم يكن في هذه اللفظة تعظيم نهوا عنه، وأمروا أن يقولوا: انظرنا، أي قفنا، وانتظرنا حتى نفهم عنك، وقيل: هي كلمة يقولها أهل الحجاز على وجه الهزؤ عن قطرب. وقيل: فيه نوع تهديد، وطلب مساواة، وينبغي أن يكون خطابه على وجه التعظيم، وقال أبو علي: هي كلمة كانت اليهود تلوي بها ألسنتهم، كقوله: (وراعنا ليا بألسنتهم)
وقولوا انظرنا، لنفهم ونتبين. وقيل: فقهنا وبين لنا، عن مجاهد واسمعوا قيل: اسمعوا ما يأتيكم به الرسول، عن الحسن والسدي.
وقيل: اقبلوا منه ما يأمركم به، نحو: سمع الله لمن حمده، عن أبي علي (وللكافرين)
بمحمد والقرآن عذاب أليم أي وجيع.
* * *
(الأحكام)
الآية تدل على المنع من إطلاق لفظ، وإباحة لفظ آخر، ولا يمتنع في الكلمتين أن يكون الصلاح في المنع من أحدهما، وإباحة الآخر مع اتفاقهما في الفائدة، أو لمصلحة في أحدهما، أو الإيهام في أحدهما، ولكن لا بد في هذين اللفظين من تمييز حتى يصح ذلك، ثم يجوز أن يرجع النهي إلى اللفظ، ويجوز أن يرجع إلى المعنى.
وتدل على أن في أحد اللفظين تعظيما ومصلحة ليست في الآخر.
Bogga 533