ويقال: لم أمروا بالقتل؟
قلنا: فيه خلاف، قيل: لأن جماعة منهم ممن لم يعبدوا العجل لم ينه مخافة القتل، فأمروا بالقتل، عن ابن جريج، وقيل: كان القتل لطفا للقاتل، وتوبة للمقتول، كما يكون في استسلام القاتل للقصاص.
ويقال: هؤلاء كانوا مرتدين، والمرتد إذا تاب لم يقتل.
قلنا: لم يكن القتل عقوبة للردة حتى تسقط بالإسلام، وإنما كان شرطا في قبول توبتهم، كما أن السارق من شرط قبول توبته رد المال، ولهذا قيل: إنه كان شهادة لهم، وأيضا فإن هذا مما يختلف بالشرائع فيجوز أن يكون في شريعة موسى أن يقتل المرتد بعد التوبة كما في شريعتنا إقامة الحدود بعد التوبة.
ويقال: فمن لم يقتل منهم، هل قبلت توبته؟
قلنا: نعم وخص القتل في حقه، وروي أن موسى وهارون وقفا يدعوان الله ويتضرعان وهم يقتلون بعضهم بعضا حتى نزل الوحي برفع القتل، وقبلت توبة من بقي، وقد قتل منهم سبعون ألفا، ومنهم من يقتل أباه وابنه وأخاه ذلكم إشارة إلى التوبة والقتل؛ لأن قوله: (فتوبوا) يدل على التوبة، يعني التوبة والقتل، وإن كان فيه مشقة عظيمة خير لكم عند بارئكم خالقكم، وكرر ذكر (بارئكم) تعظيما لما أتوا به مع كونه خالقا لهم، وقيل: الأول الدعاء إلى التوبة، والثاني: لوعدهم لما أعد لهم من الخير (فتاب عليكم)، وفيه محذوف تقديره: ففعلتم فتاب عليكم، يعني قبل توبتكم إنه هو التواب الرحيم القابل للتوبة مرة بعد مرة، وقيل: قابل التوبة عن الذنوب العظام الرحيم يرحمكم إذا تبتم، بأن يدخلكم الجنة.
* * *
(الأحكام)
الآية تدل على تشديد التكليف على بني إسرائيل لما عبدوا العجل بأن أمروا بقتلهم، وقد استدل بعضهم بالآية على أنه يجوز أن يؤمر المكلف بقتل نفسه، وهو غلط؛ لأن قتل المكلف نفسه لا صفة له يجب لأجله، فمتى وجب إنما وجب لكونه
Bogga 389