ولهذا النظر اختلف القدماء في السعادة العظمى فظن قوم أنها لا تحصل للإنسان إلا بعد مفارقة البدن والطبيعات كلها وهؤلاء هم القوم الذين حكينا عنهم أن السعادة العظمى هي في النفس وحدها وسموا الإنسان ذلك الجوهر وحده دون البدن ولذلك حكموا أنها ما دامت في البدن ومتصلة بالطبيعة وكدرها ونجاسات البدن وضروراته وحاجت الإنسان به وافتقاراته إلى الأشياء الكثيرة فليست سعيدة على الإطلاق. وأيضا لما روأها لا تكمل لوجود الأشياء العقلية لأنها لا تستتر عنها بظلمة الهيولي أعني قصورها ونقصانها ظنوا أنها إذا فارقت هذه الكدورة فارقت الجهالات وصفت وخلصت وقبلت الإضاءة والنور الإلهي أعني العقل التام. ويجب على رأى هؤلاء أن الإنسان لا يسعد السعادة التامة إلا في الآخرة بعد موته، وأما الفرقة الأخرى فإنها قالت انه من القبيح الشنيع أن يظن أن الإنسان ما دام حيا يعمل الأعمال الصالحة ويعتقد الآراء الصحيحة ويسعى في تحصيل الفضائل كلها لنفسه أولا ثم لأبناء جنسه ثانيا ويخلف رب العزة تقدس ذكره في خلقه بهذه الأفعال المرضية فهو شقي ناقص حتى إذا مات ودم ذكر الأشياء صار سعيدا تام السعادة.
وارسطوطاليس يتحقق بهذا الرأى وذلك أنه تكلم في السعادة الإنسانية والإنسان هو المركب عنده من بدن ونفس ولذلك حد الإنسان بالناطق المائت وبالناطق الماشي برجلين وما أشبه ذلك وهذه الفرقة التي رئيسها
1 / 93