فليعد جميع ذلك شقاء لا نعيما وخسرانا لا ربحا وليجتهد على التدريج إلى فطام نفسه منها. وما أصعب إلا أنه على كل حال غير من التمادي في الباطل. وليعلم الناظر في هذا الكتاب إن خاصة تدرجت إلى فطام نفسي بعد الكبر واستحكام العادة وجاهدتها جهادا عظيما.
ورضيت لك أيها الفاحص عن الفضائل والطالب للأدب الحقيقي بما رضيت لنفسي بل تجاوزت لك في النصيحة إلى أن أشرت عليك بما فاتني في ابتداء أمري لتدركه أنت. ودللتك على طريق النجاة قبل أن تتيه في مفاوز الضلالة وقدمت لك السفينة قبل أن تغرق في بحر المهالك. فالله الله في نفوسكم معاشر الإخوان والأولاد. إستسلموا للحق وتأدبوا بالأدب الحقيقي لا المزور وخذوا الحكمة البالغة وانتهجوا الصراط المستقيم وتصوروا حالات أنفسكم وتذكروا قواها. وأعلموا أن أصح مثل ضرب لكم من نفوسكم الثلاث التي مر ذكرها في المقالة الأولى: مثل ثلاثة حيوانات مختلفة جمعت في مكان واحد ملك وسبع وخنزير. فأيها غلب بقوته قوة البالقين كان الحكم له. وليعلم من تصور هذا المثال أن النفس لما كانت جوهرا غير جسم ولا شيء فيها من قوى الجسم وأعراضه كما بينا ذلك في صدر هذا الكتاب كان اتحادها واتصالها بخلاف اتحاد الأجسام وإتصال بعضها ببعض.
1 / 61