وأن تلك الفضائل الأخر الملكية إما أن تكون باطلة ليست بشيء ألبتة وإما أن تكون غير ممكنة لأحد من الناس: والناس مائلون بالطبع الجسداني إلى الشهوات فيكثر اتباعهم وتقل الفضلاء فيهم. وإذا تنبه الواحد بعد الواحد منهم إلى أن هذه اللذات إنما هي لضرورة الجسد وإن بدنه مركب من الطبائع المتضادة أعني الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة وأنه إنما يعالج بالمأكل والمشرب أمراضا تحدث به عند الإنحلال لحفظ تركيبه على حالة واحدة أبدا ما أمكن ذلك فيه. وأن علاج المرض ليس بسعادة تامة والراحة من الألم ليست بغاية مطلوبة ولا خير محض. وأن السعيد التام هومن لا يعرض له مرض البتة. وعرف مع ذلك أيضا أن الملائكة الأبرار الذين اصطفاهم الله بقربه لا تلحقهم هذه الآلام فلا يحتاجون إلى مداواتها بالأكل والشرب.
وأن الله تعالى منزه متعال عن هذه الأوصاف - عارضوه بأن بعض البشر أشرف من الملائكة وأن الله تعالى أجل من أن يذكر مع الخلق. وشاغبوه وسفهوا رأيه وأوقعوا له شبها باطلة حتى يشك في صحة ما تنبه إليه وأرشده عقله إليه.
والعجب الذي لا ينقضي هو أنهم مع رأيهم هذا إذا وجدوا واحدا من الناس قد ترك طريقتهم التي يميلون إليها واستهان باللذة والتمتع وصام وطوى واقتصر على ما أنبتت الأرض عظموه وكثر تعجبهم منه وأهلوه للمراتب العظيمة. وزعموا انه ولي الله وصفيه وأنه شبيه بالملك وأنه أرفع طبقة من البشر. ويخضعون له ويذلون غاية الذل ويعدون أنفسهم أشقياء بالإضافة إليه.
1 / 55