" الخلق "
الخلق حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية ولا روية. وهذه الحال تنقسم إلى قسمين: منها ما يكون طبيعيا من أصل المزاج كالإنسان الذي يحركه أدنى شيء نحو غضب ويهيج من أقل سبب وكالإنسان الذي يجبن من أيسر شيء كالذي يفزع من أدنى صوت يطرق سمعه أو يرتاع من خبر يسمعه وكالذي يضحك ضحكا مفرطا من أدنى شيء يعجبه وكالذي يغتم ويحزن من أيسر شيء يناله، ومنها ما يكون مستفادا بالعادة والتدرب وربما كان مبدؤه بالروية والفكر ثم يستمر عليه أولا فأولا حتى يصير ملكة وخلقا.
ولهذا اختلف القدماء في الخلق فقال بعضهم الخلق خاص بالنفس غير الناطقة وقال بعضهم قد يكون للنفس الناطقة فيه حظ. ثم اختلف الناس أيضا اختلافا ثانيا فقال بعضهم من كان له خلق طبيعي لم ينتقل عنه وقال آخرون ليس شيء من الأخلاق طبيعيا للإنسان ولا نقول أنه غير طبيعي. وذلك أنا مطبوعون على قبول الخلق بل ننتقل بالتأديب والمواعظ إما سريعا أو بطيئا. وهذا الرأي الأخير هو الذي نختاره لأنا نشاهده عيانا ولأن الرأى الأول يؤدي إلى أبطال قوة التمييز والعقل وإلى رفض السياسات كلها وترك الناس همجا مهملين وإلى ترك الأحداث والصبيان على ما يتفق أن يكونوا عليه بغير سياسة ولا تعليم وهذا ظاهر الشناعة جدا.
1 / 41