وكذلك نفهم من الإرادة طلب معلوم فإن فرض طلب ولا علم لم تكن إرادة فكان فيه نفي ما فهمناه. والجماد يستحيل أن يخلق فيه العلم لأنا نفهم من الجماد ما لا يدرك فإن خلق فيه إدراك فتسميته جمادًا بالمعنى الذي فهمناه محال وإن لم يدرك فتسميته الحادث علمًا ولا يدرك به محله شيئًا محال فهذا وجه استحالته.
إن الله لا يقدر على قلب الأجناس، لعدم وجود مادة مشتركة
وأما قلب الأجناس فقد قال بعض المتكلمين أنه مقدور لله فنقول: مصير الشيء شيئًا آخر غير معقول لأن السواد إذا انقلب قدرة مثلًا فالسواد باق أم لا، فإن كان معدومًا فلم ينقلب بل عدم ذاك ووجد غيره وإن كان موجودًا مع القدرة فلم ينقلب ولكن انضاف إليه غيره وإن بقي السواد والقدرة معدومة فلم ينقلب بل بقي على ما هو عليه. وإذا قلنا: انقلب الدم منيًا أردنا به أن تلك المادة بعينها خلعت صورة ولبست صورة أخرى فرجع الحاصل إلى أن صورة عدمت وصورة حدثت وثم مادة قائمة تعاقب عليها الصورتان. وإذا قلنا: انقلب الماء هواء بالتسخين أردنا به أن المادة القابلة لصورة المائية خلعت هذه الصورة وقبلت صورة أخرى فالمادة مشتركة والصفة متغيرة. وكذلك إذا قلنا: انقلب العصا ثعبانًا والتراب حيوانًا وليس بين العرض والجوهر مادة مشتركة ولا بين السواد والقدرة ولا بين سائر الأجناس مادة مشتركة فكان هذا محالًا من هذا الوجه.