{ فصل لا بد للمأمور به من الحسن } سواء ثبت بنفس الأمر أو بالعقل قبله لأن الشارع حكيم لا يأمر بالقبيح قال في الميزان وعندنا لما كان للعقل حظ في معرفة حسن بعض المشروعات كالإيمان وأصل العبادات كان الأمر دليلا ومعرفا لما ثبت حسنه في العقل وموجبا لما لم يعرف به { بمعنى كون الشيء متعلق المدح عاجلا والثواب آجلا ويقابله القبيح بمعنى كونه متعلق الذم عاجلا والعقاب آجلا } ولهما معنيان آخر أن لا خلاف في ثبوتهما عقلا أحدهما كون الشيء ملائما للطبع وكونه منافرا له والثاني كونه صفة كمال وكونه صفة نقصان { وهما عند الأشعري لا يثبتان بالعقل بل بالشرع فقط } ولذلك لأنهما ليسا لذات العقل ولا لشيء من صفاته حتى يحكم العقل بأنه حسن ح بناء على تحقق ما به الحسن أو القبح وأيضا فعل العبد اضطراري لا اختيار له فيه والعقل لا يحكم باستحقاق الثواب أو العقاب على مالا اختيار للفاعل فيه ومع ذلك جوز كونه متعلق الثواب والعقاب بالشرع بناء على أنه لا قبيح بالنسبة إلى الله تعالى بل كل أفعاله حسنة واقعة على نهج الصواب لأنه مالك الأمور على الإطلاق يفعل ما يشاء لا علة لصنعة ولا غاية لفعله { فالقبيح عنده ما نهى عنه } نهى تحريم أو تنزيه { والحسن بخلافه } أي ما لم ينه عنه كالواجب والمندوب والمباح فإن المباح عند أكثر أصحاب الأشعري من قبيل الحسن وفيه نظر لأنه ليس متعلق المدح والثواب بلا نزاع ومعنى الحسن { خلافا للمعتزلة فإن حسن الأفعال وقبحها عندهم لذواتها أو لصفة من صفاتها } فمنها ما هو ضروري كحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار ومنها ما هو نظري كحسن الصدق الضار وقبح الكذب النافع ومنها ما يدرك إلا بالشرع كحسن صوم آخر يوم من رمضان وقبح صوم أول يوم من شوال فإنه لا سبيل للعقل إليه لكن الشرع إذا ورد به كشف عن حسن وقبح ذاتين { وعندهم ما يذم عليه } فعلا كان أو تركا { شرعا أو عقلا وما يحمد عليه } وعلى هذا ينحصر الحسن في الواجب والمندوب { وبالتفسير الآخر ما ليس للمتمكن منه ومن العلم يحاله أن يفعله } احترز بقيد التمكن عن فعل العاجز والملجأ فإنه لا يوصف بحسن ولا بقبح وبقيد العلم عن المحرمات الصادرة عمن لم يبلغه الدعوة { وما للمتمكن منه ومن العلم بحاله أن يفعله } وهذا يتناول الحسن المباح أيضا والقبيح على كلا التفسيرين لا يتناول الحرام المكروه فالمباح على تفسير الأول واسطة بين الحسن والقبيح دون الثاني وأما الاحتجاج من الطرفين وما يتعلق به من القيل والقال فموضعه الكتب الكلامية ولا يناسب لصاحب هذا المختصر أن يطول فيه ذيل المقال { ووافقهم } أي وافق المعتزلة { بعض الماتريدية في أن حسن بعض الأفعال وقبحه } بحيث يحمد فاعله ويثاب لأجله أو يذم ويعاقب لأجله { يكون لذاته أو لصفة له وبعرفان عقلا أيضا } إنما قال أيضا لأنه لا خلاف في ا،هما يعرفان شرعا { واستدلوا بأن وجوب تصديق النبي عليه السلام } الثابت نبوته بإظهار المعجزة { في جميع ما أخبر به أن توقف على الشرع يلزم الدور } ضرورة من أن الموقوف عليه من جملة ما أخبر به { وإلا } أي وإن لم يتوقف جميعه عليه { يكون وجوب تصديقه عليه السلام في بعضه عقلا } إذ لا خلاف في مطلق الوجوب لئلا يبطل أمر النبوة فإذا لم تكن شرعا يتعين كونه عقلا هذا وجه ظاهر في تقرير الاستدلال المذكور ويمكن تقريره بوجه آخر وهو أن أول ما أخبر به النبي عليه السلام أن توقف على الشرع يلزم الدور أي توقف الشيء على نفسه إذ لا احتمال لأن يكون الموقوف عليه نصا آخر وإلا يلزم أن لا يكون ما فرض أنه أول النصوص أولا وإن لم يتوقف عليه يكون وجوبه عقلا { فيكون حسنا عقلا } لأن الواجب عقلا أخص من الحسن عقلا على ما سبق { ويلزم من ذلك أن يكون ترك التصديق حراما عقلا فيكون قبيحا عقلا } وكذلك نقول امتثال أوامره عليه السلام إن وجب شرعا يلزم الدور ضرورة توقف ثبوت الشرع على وجوب امتثال أوامره وإن وجب عقلا فهو المطلوب { وبأن وجوب تصديق النبي عليه السلام في جميع ما أخبر به موقوف على حرمة كذبه } إذ لو جاز كذبه لما وجب تصديقه { وهي } أي حرمة كذبه { في جميع ما أخبر به أن يثبت شرعا لزم الدور وهذا ظاهر على ما تقدم بيانه في الوجه الأول } { وإن ثبت عقلا يلزم قبحا عقلا ويلزم من ذلك أن يكون ترك الكذب واجبا عقلا فيكون حسنا عقلا والجواب } على الوجهين { أن وجوب التصديق وحرمة الكذب بمعنى جزم العقل بأن صدقه ثابت قطعا وكذبه ممتنع } لما قامت عليه من الأدلة القطعية { مما لا ينازع في كونه عقليا } كالتصديق بوجود الصانع { بمعنى استحقاق الثواب أو العقاب في الأجل فيجوز أن يكون ثابتا بنص الشارع على دليله } وهو دعوى النبوة وإظهار المعجزة فإنه بمنزلة النص على أنه يجب تصديق كل ما أخبر به ويحرم كذبه وقس على هذا الجواب عن الوجه الآخر المذكور فيما تقدم { ثم عند المعتزلة العقل حاكم بالحسن والقبح مطلقا } أما على الله تعالى فلأن الأصلح واجب على الله تعالى بالعقل فيكون تركه حراما على الله تعالى والحكم بالوجوب والحرمة يكون حكما بالحسن والقبح ضرورة وأما على العباد فلأن القل عندهم يوجب الأفعال عليهم ويبيحها ويحرمها من غير أن يحكم الله تعالى فيها بشيء من ذلك { وعند أهل السنة والجماعة الحكم بالحسن والقبح هو الله تعالى } وهو متعال عن أن يحكم عليه غيره وعن أن يجب عليه شيء وهو خالق أفعال العباد على ما مر جاعل بعضها حسنها وبعضها قبيحا وله في كل قضية كلية أو جزئية حكم معين وقضاء مبين وإحاطة بظواهرها وبواطنها وقد وضع فيها ما وضع من خير أو شر ومن نفع أو ضر ومن كحسن أو قبح { إلا أن العقل قد يعرفهما بخلق الله تعالى العلم بهما } أما بلا كسب كحسن تصديق النبي عليه السلام وقبح الكذب الضار وأما مع كسب كالحسن والقبح المتفادين بالنظر في الأدلة وترتيب المقدمات { وقد لا يعرفان إلا بالشرع } كأكثر أحكام الشرع { عند الماتيردية } إنما قال ذلك لما مر أنهما عند الأشاعرة لا يثبتان أصلا إلا بالشرع ولا طريق للعلم بهما إلا من جهته وأما أن حصول العلم بطريق جرى العادة فخارج عن مبحثنا هذا ولا تعلق لغرض الأصولي له كما لا يخفى { والمأمور به في صفة الحسن نوعان حسن لمعنى في نفسه وحسن لمعنى في غيره } سواء كان ثبوت الحسن لذلك المعنى موقوفا على إثبات الشرع أولا فالتقسيم المذكور يتمشى على الأصلين المذكورين وذلك الغير إما أن يكون جزء المأمور به صادقا كان عليه كالعبادة الصادقة على الصلاة فإنها عبادة من خصوصية أو غير صادق كالسجود فإنه جزء من الصلاة غير صادق عليه أو خارجا عنها صادقا كان عليه كما في الجهاد فإنه حسن لكونه أعلاء كلمة الله تعالى والإعلاء خارج عن مفهومه أو غير صادق كما في الوضوء فإنه حسن للصلاة فهي خارجة عن مفهومه غير صادقة عليه والحسن لمعنى في نفسه يعم الحسن لعينه واحسن لجزئه والثاني إنما يكون حسنا إذا كان جميع أجزائه حسنا بأن لا يكون جزء واحد منه قبيحا لعينه فثبت أن الحسن ينقسم إلى هذه الأقسام وكذا القبيح لكن أمثلته يأتي في فصل النهي بإذن الله تعالى وإنما أطلق الحسن لمعنى في نفسه على الحسن لعينه أما اصطلاحا ولا مشاحة في الاصطلاح أو لأن الحسن لعينه هو الفعل المطلق كالعبادة وهو لا يوجد إلا في ضمن جزئياته الموجودة والبحث في تلك الجزئيات للمعلوم وجودها حسا وهي لا يكون حسنة إلا لمعنى في نفسها أو لغيرها والفرق بين الجزء الصادق والخارج الصادق أن يكون مفهوم الفعل متوقفا عليه فهوالجزء وما ليس كذلك فهو الخارج كالصلاة مثلا فإن مفهومها الشرعي إنما هو عبادة مخصوصية بالخصوصيات المعلومة فمفهومها متوقف على العبادة أما الجهاد فمفهومه القتل والضرب والتهب مع الكفار وليس إعلاء كلمة الله تعالى داخلا في هذا المفهوم بل يلزم ذلك من الخارج فيكون لازما لا جزأ ولا تأثير لهذا التفصيل في دفع ما قيل في نفي الحسن والقبح العقليين بأنه لو حسن الفعل أو قبح لذاته لما اختلفت بأن يكون الفعل حسنا تارة وقبيحا أخرى لأن ما بالذات يدوم بدوام الذوات واللازم بطل لأن شكر المنعم حسن بخلاف غيره والكذب قبيح ثم بحسن إذا كان فيه عصمة بني من ظالم لأن اندفاعه بأن يقال أن الحسن والقبيح لذاته فيما يختلف باختلاف الإضافات هو المجموع المركب من الفعل والإضافة فالفعل جنس والإضافات فصول مقومة لأنواعه والحسن والقبيح لذاته هو الأنواع لا الجنس نفسه وهذا أمر آخر وراء التفصيل المذكور { فالأول أما أن لا يقبل سقوط التكليف كالتصديق وإما أن يقبل كالإقرار باللسان يسقط حال الإكراه والتصديق هو الأصل والإقرار ملحق به لأنه دال عليه ولا كذلك سائر الأفعال } فإن عمل الأركان لم نجعله داخلا فيه واعلم أن المنقول عن علمائنا في هذا المسألة قولان أحدهما أن الإيمان هو التصديق وحده وإنما الإقرار لإجراء الأحكام الدنيوية عليه والثاني أن الإيمان هو مجموع التصديق والإقرار وزيادة التفصيل في هذا المقام موضعها الكتب الكلامية { فمن صدق بقلبه وترك الإقرار من غير عذر لم يكن مؤمنا } اعتبارا لجهة كنية حالة الاختيار { ومن صدق ولم يوجد وقتا يقر فيه كان مؤمنا } اعتبارا لجهة تبعية في حالة الاضطرار { وكالصلاة يسقط بالعذر وإما أن يكون شبيها بالحسن لمعنى في غيره كالزكاة والصوم والحج يشبه أن يكون حسنها بالغير وهو دفع حاجة الفقير وقهر النفس وزيارة البيت لكن الفقير والبيت } إن كانا يستحقان الإحسان والزيارة نظرا إلى الفقر والشرف لكنهما { لا يستحقان هذه العبادة } يعني الزكاة والحج إذ العبادة حق الله تعالى خاصة { والنفس مجبولة على المعصية } النفس بحسب الفطة وإن كانت محلا للخير والشر إلا أنها للمعاصي أقبل وإلى الشهوات أميل حتى كأنها بمنزلة أمر جبلي لها فكأنها مجبولة على المعاصي بمنزلة النار على الإحراق { فلا يحسن قهرها } نظرا إلى هذا المعنى { فارتفع الوسائط } أي سقط حسن دفع الحاجة وزيارة البيت وقهر النفس عن درجة الاعتبار { فصارت } الأمور المذكورة { تعبدا محضا لله تعالى } وعبادة خالصة بمنزرة الصلاة لا يقال أن أريد الحسن بمعنى في نفسه أن يكون الحسن لذات الفعل أو جزئه لا يكون الزكاة وأمثالها من هذا القسم لما تبين أن حسنها لكونها مأمورا بها لا لذاتها ولا لجزئها وإن أريد به كون الفعل مأمورا به فينطبق على مذهب الأشعري فلا يستقيم تقسيم الحسن على الحسن لمعنى في نفسه والحسن لمعنى في غيره إلا على أصله بأن يكون ثبوت الحسن لذينك المعنيين بإثبات الشرع لا باقتضاء ذاتهما لأنا نقول قد أشرنا فيما تقدم إلى وجه استقامته على أصل الماتريدية أيضا وهو أن حسن هذه العبادات الثلاثة وإن كان لغيرها بدلالة العقل إلا أن ذلك الغير في حكم العدم بناء على ما ذكرنا فصارت كأنها حسنة لا بواسطة أمر خارج عن ذاتها فألحقت بما هو حسن لعينه كالصلاة وجعلت من قبيل الحسن لمعنى في نفسه لا لمجرد كونه مأمورا به وأيضا لهم أن يقولوا أن كل ما أمر به الشارع فالإتيان به حسن لذاته بمعنى أن العقل يحكم بأن طاعة الله تعالى وامتثال أمره حسن لذاته فالحسن لمعنى في نفسه نوعان نوع يكون حسنه لعينه أو لجزئه مع قطع النظر عن كونه إتيانا للمأمور به كالإيمان والصلاة ونوع يكون حسنه لكونه إتيانا للمأمور به كالزكاة ونحوها ويشترط في هذا النوع أن يكون الإتيان به لأجل كونه مأمورا به وبما ذكرناه نم قيد قطع النظر عن كونه إتيانا للمأمور به صار النوع الثاني مغايرا للنوع الأول وإلا فالإتيان للمأمور به أيضا حسن لعينه ثم النوعان وإن تباينا بحسب المفهوم والعتبار فلا تباين بينهما في الحصول لأمر واحد كالإيمان يحسن لذاته ولكونه إتيانا بالمأمور به والأول يثبت قبل الشرع دون الثاني فإن قيل كل من الزكاة والصوم والحج عبادة مخصوصة والعبادة حسنة لعينها فيكون كل منها حسن لجزئه فيكون حسنا لمعنى في نفسه ولا حاجة إلى ما ذكر من التكلفات قلنا كونه عبادة مخصوصة لا يقتضي كون العبادة جزأ منه لجواز أن يكون خارجا عنه صادقا عليه والأمر كذلك إذ ليس جزء من مفهوم شيء منها بخلاف الصلاة وليس لهم أن يقولوا إنا لا نجعل جهة حسنها كونها مأمورا بها بل نستدل بذلك على أنها حسنة في نفسها وإن لم تدرك جهة حسنها لما أم الأمر المطلق يقتضي حسن المأمور به لمعنى في نفسه غذ لقائل أن يقول لا ثم أن الأمر بالزكاة وأمثالها أمر مطلق بل العقل قرينة على أنه إنما أمر بها لدفع حاجة الفقير { ونحوه حتى يشترط فيه الأهلية الكاملة } إن العبادات يشترط لها الأهلية الكاملة حتى لا يجب على الصبي بخلاف المعاملات على ما يأتي في فضل الأهلية بإذن الله تعالى { وأما الثاني } وهو الحسن لغير { فذلك الغير إما منفصل عن هذا المأمور به كالسعي إلى الجمعة حسن لأدائها } وهو منفصل عن السعي { والوضوء حسن للصلاة وليس قربة مقصودة حيث يسقط بسقوطها فلا يحتاج في كونه وسيلة إليها } ومفتاحا لها { إلى النية } لأن المحتاج إلى النية وصفه وهو كونه عبادة لا ذاته وهو كونه طهارة { وأما قائم بهذا المأمور به كالجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى وصلاة الجنازة لقضاء حق الميت حتى إن أسلم الكفار بأسرهم لا يشرع الجهاج وإن قضى البعض حق الميت يسقط عن الباقين ولما كان المقصود يتأدى بعين المأمور به كان هذا الضرب لا الضرب الأول شبيها بالقسم الأول } وهو الحسن لمعنى في نفسه وذلك أنه لا شك في أن المأمور به الحسن لغيره مغاير لذلك الغير بحسب المفهوم فإن كان مغايرا له بحسب الخارج كأداء الجمعة والسعي فلا شبهة له بالحسن لمعنى في نفسه وإن لم يكن مغايرا بحسب الخارج كالجهاد وإعلاء كلمة الله تعالى فإن مفهوم الجهاد وهو القتل والضرب وأمثالهما وهو ليس مفهوم إعلاء كلمة الله تعالى لكن لا تغاير بينهما في الخارج فهو شبيه بالحسن لمعنى في نفسه من جهة كونه في الخارج عين ذلك الغير الحسن لمعنى في نفسه { والأمر المطلق } أي من غير انظمام قرينة تدل على الحسن لمعنى في نفسه أو غيره { يتناول الضرب الأول من القسم الأول } أي الذي لا يقبل سقوط التكليف من الحسن لمعنى في نفسه وإنما يصرف عنه إن دل الدليل { لأن كمال الأمر يقتضي كمال صفة المأمور به } لما علم أن المطلق ينصرف إلى الكامل لزم أن يكون الأمر المطلق للإيجاب لأن في الندب نقصانا وقد علم أن الحسن مقتضى الأمر فالأمر الإيجابي مقتضى للحسن الكامل فإنه لا بد أن يكون في فعله مصلحة عظيمة وفي تركه مفسدة عظيمة لكون الإيجاب محصلا لفعله ومانعا من تركه فالإيجاب يدل على كمال العناية بوجود المأمور به وكمال العناية بوجوده يدل علىكمال حسنه وكمال الحسن أن يكون حسنا لمعنى في نفسه وهو لا يقبل سقط التكليف وفيه بحث وهو أن الأصل في المطلق أن يجري على إطلاقه على ما تقدم بيانه والكمال قيد ولذلك لم يشترط الإنزال في التحليل { وكونه عبادة يوجب ذلك أيضا } إشارة إلى الحسن لمعنى في نفسه بمعنى أنه إتيان بالمأمور به ولا يخفى أنه لا دلالة في هذا الوجه على عدم احتمال سقوط التكليف به ولهذا لم يتعرض به في سائر الكتب وإنما قال في الأول يقتضي وفي الثاني يوجب لأن المعنى الأول مقتضى الأمر والثاني موجبه والفرق بينهما هو أن المقتضى متقدم بمعنى أن الشيء يكون حسنا ثم يتعلق به الأمر والموجب متأخر بمعنى أن الامر يوجب حسنه من جهة كونه إتيانا بالمأمور به { فقال الشافعي } تفريع على أن الأمر المطلق يقتضي ما ذكره { الأمر بالجمعة يوجب صفة حسنها وأن لا يكون المشروع في ذلك اليوم إلا هي فلا يجوز ظهر غير المعذور إذا لم يفت الجمعة ولما لم يخاطب المعذور بالجمعة } أي لم يؤمر بإقامتها عينا بل خير بينها وبين الظهر { فإن أدى الظهر لم ينقض بالجمعة قلنا لما كان الواجب قضاء الظهر لا الجمعة علمنا أن الأصل هو الظهر لكنا أمرنا بإقامتها مقامه في الوقت فصارت مقررة له لا ناسخة ولا فرق في هذا بين المعذور وغيره لعموم فاسعوا لكن سقط الجمعة عنه رخصة فإذا أتى بالعزيمة صار كغير المعذور فانتقض الظهر } الخلاف ههنا في أمرين أحدهما أن غير المعذور إذا أدى الظهر في البيت قبل فوت الجمعة لا يجوز عنده ويجوز عندنا بناء على أن الأصل في هذا اليوم الجمعة عنده والظهر عندنا وثانيهما أن المعذور إذا أدى الظهر هل ينتقض إذا حضر الجمعة أم لا فعنده لا ينتقض وعندنا ينتقض ودليلنا في الموضعين مذكور في المتن .
Bogga 166