موسى منه رب العالمين.
و ( البلد الأمين ) فهو : الحرم الذي على كل حد من حدوده رضم من الحجارة ، وعلم فصل به بين غيره وبينه ، لتعرف بذلك ما هو منه.
وإنما أقسم الله سبحانه من الأشياء بما أقسم من القسم ؛ لما جعل فيها من الآيات والبركات والكرم ، وإنما يقسم أبدا المقسم ، بما يجل من الأشياء ويكرم ، وكرم ما ذكر الله من هذه الأشياء ، فما ليس به عند من يعقل من خفاء ، فمن كرم التين والزيتون ، ما جعل الله فيهما من المنافع والطعوم ، وكرم طور سينين وبركته ، ما كان من مناجاة الله تبارك وتعالى لموسى عليه السلام في بقعته ، وفي ذلك ما يقول سبحانه : ( فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة ) [القصص : 30] ، فذكرها سبحانه بما جعل فيها من التقديس والبركة ، وفي ذلك ما يقول تبارك وتعالى : ( وناديناه من جانب الطور الأيمن ) [مريم : 52] ، والطور ، فهو طور سينين المذكور.
ومن كرم الحرم وفضله ، فما جعل الله فيه من الأمن لأهله ، وما فرض من حج بيته ، وألزم الناس في ذلك من فريضته.
وتأويل ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم (4)) ، فهو : خلقه للإنسان في أحسن تعديل ، من كل توصيل فيه وتفصيل ، أصل به أو فصل ، أو هيئ بهيئته فعدل ، من هيئة أو صورة مصورة مقدرة ، أو فؤاد أو سمع أو عين مبصرة ، وكل ذلك كان مفصلا أو موصلا ، فقد جعله سبحانه مستويا معتدلا ، كما قال تبارك وتعالى : ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم (6) الذي خلقك فسواك فعدلك (7) في أي صورة ما شاء ركبك (8)) [الانفطار : 6 8].
وتأويل ( ثم رددناه أسفل سافلين (5)) ، فهو رده إن بقي وعمر إلى آخر أعمار الآدميين ، التي إن صار إليها ، وبقي حيا فيها ، تغيرت حاله وعقله ، وبان نكسه وسفاله ، كما قال سبحانه : ( ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون (68)) [يس : 68] ، وتأويل ( ننكسه ) فهو : نرده في الهرم والذهاب ، بعد القوة والجدة والشباب ، أو يموت قبل ذلك على كفر وإنكار ، فينكس بعد الكرامة في الهوان وعذاب
Bogga 109