افتراق أهل الكتاب واختلافهم ، وما هم عليه اليوم وقبل اليوم بتشتيت أصنافهم ، فقال تبارك وتعالى : ( وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة (4)) ، والبينة : فهي الرسل والأمور التي جاءتهم النيرة المبينة ، وهي التي ليس فيها دلسة ، ولا عماية جليلة ولا لبسة ، ولكنها بينة نيرة مضية ، ظاهرة لمن يعقلها جلية ، ألا تسمع كيف يقول سبحانه : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة )، فأمروا ليعبدوه جل ثناؤه وحده ، فعبدت النصارى معه المسيح رسوله وعبده ، وأمروا ليخلصوا له الدين ولا يجعلوا له ولدا ، فجعلوا له ولدا وجعلوه كلهم ثالث ثلاثة عددا ، وفيهم ما يقول سبحانه : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد ) [المائدة : 73] ، فهو الله الأحد الصمد الذي ليس له ولد ولا والد.
وقالت اليهود كما قال الله جل جلاله ، عن أن يساويه شيء أو يماثله : ( عزير ابن الله ) [التوبة : 27] ، فلحقوا بالنصارى في الكفر بالله ، وشبهوا الله ببعض حالات خلقه في الهيئة والقوى ، وزعموا أنه جالس على عرش هو سرير وأنه لا يتوهم له قرار في جو ولا هواء ، وأن له مقعدا من العرش والكرسي ومستوى ، وتأول من شبهه من هذه الأمة في ذلك ما يقول الله سبحانه : ( الرحمن على العرش استوى (5)) [طه : 5] ، وأمروا أن يكونوا حنفاء ، فكانوا جورة حيفا.
والحنيف : هو الطائع ، المستقيم الخاشع ، وأمروا أن يصلوا له ، فصلوا لغيره معه ، فمنهم من صلى لأثرة صنم ، ومنهم من صلى لعيسى بن مريم ، صلى الله عليه [وسلم] ، ومنهم من صلى لمن شبهه بآدم ، صلى الله عليه في الصورة واللحم والدم ، ومنهم من صلى لمن هو عنده نور من الأنوار ، وجسم مسدس المقدار ، له زعم جهات ست ، خلف وأمام ويمين ويسار وفوق وتحت ، فتعالى الله عما قالوا كلهم علوا كبيرا ، وجل وتقدس عن أن يكون لنفسه من خلقه مثلا ونظيرا ، وكيف يكون عابد ذليل كعزيز معبود؟! ومن لم يزل دائما مشبها لما كان طوال (1) الدهر غير موجود.
Bogga 98