{ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } الآية الظاهرة أن المضاف إليه كل المحذوف هو أمة أي لكل أمة. والخطاب في " منكم " للناس أي أيها الناس أي لليهود شرعة ومنهاج وللنصارى كذلك وللمسلمين كذلك، قاله علي رضي الله عنه وغيره. ويعنون في الأحكام وأما المعتقد فواحد لجميع العالم توحيد وإيمان بالرسل وكتبها. والشرعية والمنهاج لفظان بمعنى واحد فالثاني تأكيد للأول.
{ ولو شآء الله } مفعول شاء محذوف تقديره ولو شاء جعلكم أمة واحدة. وحذف لدلالة الجواب عليه وهو قوله: لجعلكم أمة واحدة في اتباع الحق أو اتباع الباطل.
{ ولكن ليبلوكم في مآ آتاكم } أي ولكن لم يشأ ذلك ليختبركم فيما آتاكم من الكتب. { فاستبقوا الخيرات } أي استقبلوا الأعمال الصالحة وهي التي عاقبها أحسن الأشياء. { إلى الله مرجعكم جميعا } هو استئناف في معنى التعليل لأمره تعالى باستباق الخيرات كأنه يقول: تظهر ثمرة استباق الخيرات والمبادرة إليها في وقت الرجوع إلى الله تعالى ومجازاته. { فينبئكم } أي فيخبركم بأعمالكم وهي كناية عن المجازاة بالثواب والعقاب وهو إخبار إيقاع. وبهذه التنبئة يظهر الفصل بين المحق والمبطل والمستبق والمقصر في العمل. ونبأ هنا جاءت على وضعها الأصلي من تعديتها إلى واحد بنفسه وإلى آخر بحرف الجر ولم يضمنها معنى أعلم فيعيدها إلى ثلاثة.
{ وأن احكم بينهم بمآ أنزل الله } سبب نزولها قال ابن عباس: قال بعض اليهود لبعض منهم ابن صوريا وشاس بن قيس وكعب بن أسيد: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه فأتوه، فقالوا: يا محمد قد عرفت انا احبار يهود وأشرافهم وان اتبعناك اتبعك كل اليهود وبيننا وبين قوم خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ويؤمن بك، فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت. وان أحكم ذكروا في إعرابه وجوها والذي نختاره أن يكون في موضع رفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر مؤخرا والتقدير وحكمك بما أنزل الله أمرنا وقولنا أو مقدما والتقدير ومن الواجب حكمك بما أنزل الله وأبعد من ذهب إلى أنه في موضع نصب عطفا على الكتاب أي وأنزلنا إليك الكتاب والحكم أو في موضع جر عطفا على بالحق أي بالحق والحكم.
{ واحذرهم أن يفتنوك } أي يستزلوك وحذره تعالى عن ذلك وإن كان مأيوسا من فتنتهم إياه وموضع أن يفتنوك نصب على البدل تقديره واحذرهم فتنتهم إياك أو يكون مفعولا من أجله تقديره من أن يفتنوك وحذف من. { فإن تولوا } الآية أي فإن تولوا عن الحكم بما أنزل الله وأرادوا غيره ومعنى أن يصيبهم ببعض ذنوبهم أي يعذبهم ببعض آثامهم وأبهم بعضا هنا ويعني به والله أعلم التولي عن حكم الله وإرادة خلافه فوضع ببعض ذنوبهم موضع ذلك وأراد أنهم ذوو ذنوب جمة كثيرة العدد وهذا الذنب مع عظمها بعضها. { أفحكم الجاهلية يبغون } هذا استفهام معناه الإنكار على اليهود حيث هم أهل الكتاب وتحليل وتحريم من الله تعالى ومع ذلك يعرضون على حكم الله تعالى ويختارون عليه حكم الجاهلية. وقرىء: أفحكم بالنصب وهو مفعول يبغون وبالرفع على الابتداء والخبر يبغون وحذف الضمير العائد على المبتدأ من الجملة تقديره يبغونه كقوله:
وخالد يحمد ساداتنا
بالحق لا يحمد بالباطل
تقديره يحمده.
{ ومن أحسن من الله حكما } أي لا أحد أحسن من الله حكما وتقدم وإن أحكم بينهم بما أنزل الله فجاءت هذه الجملة مشيرة لهذا المعنى والمعنى أن حكم الله هو الغاية في الحسن وفي العدل وهو استفهام معناه التقدير ويتضمن من التنكير عليهم واللام في لقوم يوقنون للبيان فيتعلق بمحذوف تقديره أي هذا الخطاب وهذا الاستفهام لقوم يوقنون.
[5.51-53]
Bog aan la aqoon