وأما قول ابن عطية: حذفوا التاء الثانية فهذا مذهب أهل البصرة وذهب هشام بن معاوية الضرير الكوفي إلى أن المحذوفة هي الأولى وهي تاء المضارعة وهي مسألة خلاف ذكرت دلائلها في علم النحو. وأما قوله: وهذه تاء تتفاعلون تدغم في لغة وتحذف في أخرى، كان ينبغي أن ينبه على الإثبات إذ يجوز الإثبات وهو الأصل والادغام وهو قريب من الأصل إذ لم يذهب الحرف إلا بأن أبدل منه مماثل ما بعده وأدغم والحذف لاجتماع المثلين. وظاهر كلامه اختصاص الادغام والحذف بتتفاعلون وليس كذلك أما الإدغام فلا يختص به بل ذلك في الأمر والمضارع والماضي واسم الفاعل واسم المفعول والمصدر وأما الحذف فمختص بما دخلت عليه التاء من المضارع. وقوله: لاجتماع حروف متقاربة ظاهرة تعليل الحذف فقط لقربه أو تعليل الحذف والإدغام وليس كذلك أما ان كان تعليلا للحذف فليس كذلك، بل الحذف علته اجتماع متماثلة لا متقاربة، واما إن كان تعليلا لهما فيصح في الإدغام لا الحذف كما ذكرنا. وأما قول أبي علي: إذا اجتمعت المتقاربة خففت بكذا فلا يعني أن ذلك حكم لازم إنما معناه أنه قد يكون التخفيف بكذا فكم وجد من اجتماع متقاربة لم تخفف لا بحذف ولا إدغام ولا بدل وإما تمثيله بطست في طس فليس البدل هنا لاجتماع متقاربة من الكلمة بل هذا من اجتماع المثلين كقولهم في لص: لصت. وقرىء تسألون مضارع سأل وتسلون بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى السين.
وقرىء { والأرحام } نصبا عطفا على الجلالة على حذف مضاف تقديره وقطع الأرحام ويجوز أن يكون معطوفا على موضوع به لأنه في موضع نصب. وقرىء والأرحام عطفا على الضمير في به ويبنيه قراءة من قرأ وبالأرحام. هذا اختيارنا وإن كان مخالفا لأهل البصرة في أنهم لا يعطفون على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض وقد استدللنا على صحة ما اخترناه عند الكلام على قوله تعالى:
وكفر به والمسجد الحرام
[البقرة: 217]. ومن ذهب إلى أن الجر هو بواو القسم فبعيد عن الفصاحة.
قال ابن عطية: المضمر المخفوض لا ينفصل فهو كحرف من الكلمة ولا يعطف على حرف. ويرد عندي هذه القراءة يعني قراءة حمزة والأرحام بالجر وجهان: احدهما ان ذكر الأرحام مما يتساءل به لا معنى له في الحض على تقوى الله تعالى ولا فائدة فيه أكثر من الاخبار بأن الأرحام يتساءل بها وهذا تفريق في معنى الكلم وغض في فصاحته وإنما الفصاحة في أن يكون في ذكر الأرحام فائدة مستقلة.
والوجه الثاني: إن في ذكرها على ذلك تقدير التساؤل بها والقسم بحرمتها. والحديث الصحيح يرد بذلك في قوله عليه الصلاة والسلام:
" من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت "
" انتهى " كلامه. وما ذهب إليه البصريون وتبعهم فيه الزمخشري وابن عطية من امتناع العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار ومن اعتلالهم لذلك غير صحيح بل الصحيح مذهب الكوفيين في ذلك وأنه يجوز وقد أطلتا الاحتجاج على ذلك عند قوله تعالى:
وكفر به والمسجد الحرام
[البقرة: 217]، وذكرنا ثبوت ذلك في لسان العرب نثرها ونظمها فأغنى ذلك عن إعادته هنا. وأما قول ابن عطية: ويرد عندي هذه القراءة إلى آخر كلامه، فجاسرة قبيحة منه لا تليق بحاله ولا بطهارة لسانه، إذ عمد إلى قراءة متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بها سلف الأمة واتصلت بأكابر قراء الصحابة الذين تلقوا. القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير واسطة عثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت واقرأ الصحابة أبي بن كعب رضي الله عنهم عمد إلى ردها هو بشيء خطر له في ذهنه، وهذه الجسارة لا تليق إلا بالمعتزلة كالزمخشري فإنه كثيرا ما يطعن في نقل القراء وقراءتهم. وحمزة رضي الله عنه أخذ القرآن عن سليمان بن مهران الأعمش وحمران بن أعين ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وجعفر بن محمد الصادق. ولم يقرأ حمزة حرفا من كتاب الله إلا بأثر وكان حمزة صالحا ورعا ثقة في الحديث وهو من الطبقة الثالثة ولد سنة ثمانين فاحكم القراءة وله خمس عشرة سنة، وأم الناس سنة مائة، وعرض عليه القرآن من نظراته جماعة منهم سفيان الثوري والحسن بن صالح ومن تلاميذه جماعة منهم إمام الكوفة في القراءة والعربية أبو الحسن الكسائي.
Bog aan la aqoon